شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
قوله تعالى * (كل من عليها فان) * والفناء هو العدم وأجيب بالمنع بل هو خروج الشيء عن الصفة التي ينتفع به عندها كما يقال فني زاد القوم وفني الطعام والشراب ولهذا يستعمل في الموت مثل أفناهم الحرب وقيل معنى الآية كل من على وجه الأرض من الأحياء فهو ميت قال الإمام الرازي ولو سلم كون الهلاك والفناء بمعنى العدم فلا بد في الآيتين من تأويل إذ لو حملنا على ظاهرهما لزم كون الكل هالكا فانيا في الحال وليس كذلك وليس التأويل بكونه آئلا إلى العدم على ما ذكرتم أولى من التأويل بكونه قابلا له وهذا منه إشارة إلى ما اتفق عليه أئمة العربية من كون اسم الفاعل ونحوه مجازا في الاستقبال وأنه لا بد من الاتصاف بالمعنى المشتق منه وإنما الخلاف في أنه هل يشترط بقاء ذلك المعنى وقد توهم صاحب التلخيص أنه كالمضارع مشترك بين الحال والاستقبال فاعترض بأن حمله على الاستقبال ليس تأويلا وصرفا عن الظاهر قال احتج الآخرون وهم القائلون بأن حشر الأجساد إنما هو بالجمع بعد التفريق لا بالإيجاد بعد الانعدام بوجوه الأول أنه لو عدمت الأجساد لما كان الجزاء واصلا إلى مستحقه واللازم باطل سمعا عندنا بالنصوص الواردة في أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وعقلا عند المعتزلة لما سبق من وجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي بيان اللزوم أن المعاد لا يكون هو المبدأ بل مثله لامتناع إعادة المعدوم بعينه ورد بالمنع وقد مر بيان ضعف أدلته ولو سلم فلا يقوم على من يقول ببقاء الروح والأجزاء الأصلية وإعدام البواقي ثم إيجادها إن لم يكن الثاني هو الأول بعينه بل مغايرا له في صفة الابتداء والإعادة أو باعتبار آخر ولا شك أن العمدة في الاستحقاق هو الروح على ما مر وقد يقرر بأنها لو عدمت لما علم إيصال الجزاء إلى مستحقه لأنه لا يعلم أن ذلك المحشور هو الأول أعيد بعينه أم مثل له خلق على صفته إما على تقدير الفناء بالكلية فظاهر وإما على تقدير بقاء الروح والأجزاء الأصلية فلانعدام التركيب والهيئات والصفات التي بها تمايز المثلين سيما على قول من يجعل الروح أيضا من قبيل الأجسام واللازم منتف لأن الأدلة قائمة على وصول الجزاء إلى المستحق لا يقال لعل الله تعالى يحفظ الروح والأجزاء الأصلية عن التفرق والانحلال بل الحكمة يقتضي ذلك ليعلم وصول الحق إلى المستحق لأنا نقول المقصود إبطال رأي من يقول بفناء الأجساد بجميع الأجزاء بل أجسام العالم بأسرها ثم الإيحاد وقد حصل ولو سلم فقد علمت أن العمدة في الحشر هو الأجزاء الأصلية لا الفضلية وقد سلمتم أنها لا تفرق فضلا عن الانعدام بالكلية بل الجواب أن المعلوم بالأدلة هو أن الله يوصل الجزاء إلى المستحق ولا دلالة على أنا نعلم ذلك بالإيصال البتة وكفى بالله عليما ولو سلم فلعل الله يخلق علما ضروريا أو طريقا جليا جزئيا أو كليا الثاني وهو للمعتزلة أن فعل الحكيم لا بد أن يكون لغرض لامتناع العبث عليه ولا يتصور له غرض في الإعدام إذ لا منفعة فيه لأحد لأنها إنما تكون مع الوجود بل الحياة وليس أيضا
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»