شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٣٨
عمدتهم الكبرى وعروتهم الوثقى أنه لو لم يكن العبد موجدا لأفعاله بالاستقلال لزم فسادات منها بطلان المدح والذم عليها إذ لا معنى للمدح والذم على ما ليس بفعل له ولا واقع بقدرته واختياره ورد بالمنع بل ربما يمدح أو يذم على ما هو محل له كالحسن والقبح واعتدال القامة وإفراط القصر ومنها بطلان التكاليف من الأوامر والنواهي إذ لا معنى للأمر بما لا يكون فعلا للمأمور ولا يدخل في قدرته بل مالا يطيقه لمرض ونحوه حتى أن العقلاء يتعجبون منه وينسبون الآمر إلى الحمق والجنون بمنزلة من يطلب من الإنسان خلق الحيوان والطيران إلى السماء بل من الجماد المشي على الأرض والصعود في الهواء وكذا الثواب والعقاب إذ لا وجه للثواب والعقاب على ما هو بخلق المثيب والمعاقب حتى أن من يعاقب على ما يخلقه كان أشد ضررا على العبد من الشيطان وأحق منه بالذم إذ ليس منه إلا بالوسوسة والتزيين ومنها بطلان فوائد الوعد والوعيد وإرسال الرسل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب من السماء إذ لا يظهر للترغيب والترهيب والحث على تحصيل الكمالات وإزالة الرذائل ونحو ذلك فائدة إلا إذا كان لقدرة العبد وإرادته تأثير في أفعاله ويتولى مباشرتها باستقلاله ومنها بطلان الفرق بين الأفعال التي تطابق العقل والشرع على استحسانها واستحقاقها المدح في العاجل والثواب في الآجل والتي ليست كذلك كالكفر والإيمان وكالإساءة إلى الفقراء والإحسان وكفعل النبي صلى الله عليه وسلم من الهداية والإرشاد وتمهيد قواعد الخيرات وفعل إبليس من الإضلال والإغواء وتزيين الشرور والشهوات وكالتكلم بالتسبيحات والدعوات المترتب عليها الثواب والاستجابة والتكلم بالهذيانات والفحش والهجاء التي لا توارث إلا اللوم والعقاب لأن الكل بخلق الله من غير تأثير للعبد ومنها بطلان الفرق بين الحركات التي تظهر من أعضاء العبد بقدرته وإرادته والتي تظهر منها بقدرة الغير وإرادته كما إذا حرك زيد يد عمرو مثلا مع أن كل أحد يفرق بينهما بالضرورة والجواب عن الكل إنه إنما يرد على المجبرة النافين لقدرة العبد واختياره لا على من يجعل فعله متعلقا بقدرته وإرادته واقعا بكسبه وعقيب عزمه وإن كان بخلق الله تعالى عز وجل ولا على من يجعل قدرته مؤثرة لكن لا بالاستقلال بل بمرجح هو بمحض خلق الله تعالى على أن من الفسادات ما يلزم المعتزلة أيضا كبطلان استقلال العبد بناء على وجوب الفعل وامتناعه لوجود المرجح أو عدمه وتعلق علم الله بوقوعه أولا وقوعه ومنها ما يندفع بطريق آخر فإن المدح والذم قد يكون باعتبار المحلية دون الفاعلية كالمدح والذم بالحسن والقبح وسائر الغرائز وأن الثواب والعقاب أيضا لما كان فعل الله وتصرفا فيما هو حقه لم يتوجه سؤال لميته كما لا يقال لم خلق الإحراق عقيب مس النار وإن التكليف والبعثة والتهديد والوعيد والوعد ونحو ذلك قد يكون دواعي إلى الفعل أو الترك فتخلقه الله تعالى وإن عدم افتراق الفعلين
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»