وبقدر خبر والمعنى أن كل شيء خلقناه فهو بقدر فلم يفد أن كل شيء مخلوق له بل ربما أفاد أن من الأشياء مالم يخلقه فليس بقدر وبما أشرنا إليه من كون الشيء اسما للموجود أو مقيدا به اندفع ما قيل أنه لا بد من تقييد الشيء بالمخلوق على تقدير النصب أيضا لأنه لم يخلق مالا يتناهى من الممكنات مع وقوع اسم الشيء عليه وحينئذ لا يبقى فرق بين النصب والرفع ولا بين جعل خلقنا خبرا أو صفة على أنه لو سلم التقييد بالمخلوق فالفرق ظاهر لأن الخبر يفيد أن كل مخلوق مخلوق له بخلاف الصفة قال ومنها قوله تعالى * (والله خلقكم وما تعملون) * أما إذا كانت ما مصدرية على ما اختاره سيبويه لاستغنائه عن الحذف والإضمار فالأمر ظاهر لأن المعنى وخلق عملكم وأما إذا كانت موصولة على حذف الضمير أي وخلق ما تعملونه بقرينة قوله تعالى * (أتعبدون ما تنحتون) * توبيخا لهم على عبادة ما عملوه من الأصنام فلأن كلمة ما عامة يتناول ما يعملونها من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغير ذلك فإن المراد بأفعال العباد المختلف في كونها بخلق العبد أو بخلق الرب هو ما يقع بكسب العبد ويستند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل والشرب والقيام والقعود ونحو ذلك مما يسمى الحاصل بالمصدر لا نفس الإيقاع الذي هو من الاعتبارات العقلية ألا يرى إلى مثل يقيمون الصلاة ويفعلون الزكاة يعملون الصالحات والسيئات وهذه النكتة مما غفل عنها الجمهور فبالغوا في نفي كون ما موصولة حتى صرح به الإمام بأن مثل ما تنحتون وما يأفكون في قوله تعالى * (فإذا هي تلقف ما يأفكون) * مجاز دفعا للاشتراك وأما اعتراضهم بأن الآية حجة عليكم لا لكم حيث أسند العبادة والنحت والعمل إلى المخاطبين فجهل بالمتنازع قال ومنها قوله تعالى * (هو الله الخالق) * هذه الآيات صرح فيها بلفظ الخلق إلا أن في دلالتها على المطلوب نوع احتمال وخفاء فلهذا جعلها نوعا آخر فقوله هو الله الخالق إنما يفيد حصر الخالقية في الله إذا كان الخالق خبرا وهو ضمير الشأن أو ضميرا مبهما يفسره الله وأما إذا كان الخالق صفة فذكرالإمام أنه لما كان الله علما والعلم لا يدل إلا على الذات المخصوصة بمنزلة الإشارة لم يجز أن يكون الحكم عائدا إليه إذ لا معنى لقولنا أن هذا المعين ليس إلا هذا المعين ولزم أن يكون عائدا إلى الوصف على معنى أنه الخالق لا غيره وفيه ضعف لا يخفى على العارف بأساليب الكلام وقوله تعالى * (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق) * احتجاج على علمه تعالى بما في القلوب من الدواعي والصوارف والعقائد والخواطر بكونه خالقا لها على طريق ثبوت اللازم أعني العلم بثبوت ملزومه أعني الخلق وفي أسلوب الكلام إشارة إلى أن كلا من اللزوم وثبوت الملزوم واضح لا ينبغي أن يشك فيه ولهذا يستدل بالآية على نفي كون العبد خالقا لأفعاله على طريق نفي الملزوم أعني خلقه لأفعاله بنفي اللازم أعني علمه بتفاصيلها لكن كون ذوات الصدور من قبيل الأفعال الاختيارية التي فيها النزاع محل بحث وكذا دلالة الآية
(١٣٣)