بطريق طلب المحال الموهم لجهله بما يعرفه آحاد المعتزلة الخامس أن معرفة الله تعالى لا تتوقف على العلم بمسألة الرؤية فيجوز أن يكون لاشتغاله بسائر العلوم والوظائف الشرعية لم يخطر بباله هذه المسألة حتى سألوها منه فطلب العلم ثم تاب عن تركه طريقة الاستدلال أو خطرت بباله وكان ناظرا فيها طالبا للحق فاجترأ على السؤال لتتبين له جلية الحال وهذا تغيير وتلطيف للعبارة في التعبير عن جهل كليم الله تعالى بما يجوز عليه وبما لا يجوز وقصوره في المعرفة عن حثالة المعتزلة نعوذ بالله من الغباوة والغواية واعلم أن توجيه هذه الاعتراضات على قانون المناظرة أنا لا نسلم أنه طلب الرؤية بل العلم الضروري أو رؤية آية أو علامة ولو سلم فلا نسلم لزوم الجهل أو العبث لجواز أن يكون لغرض إرشاد القوم أو زيادة اطمئنان القلب ولو سلم فلا نسلم استحالة جهل موسى عليه السلام بمثل هذه المسائل فعليك بتطبيق الأجوبة وأما الاعتراض على الوجه الثاني من طريق الاستدلال فمن وجوه أحدها أنا لا نسلم أنه علق الرؤية على استقرار الجبل مطلقا أو حالة السكون ليكون ممكنا بل عقيب النظر بدلالة الفاء وهو حالة تزلزل واندكاك ولا نسلم إمكان الاستقرار حينئذ والجوب أن الاستقرار حالة الحركة أيضا ممكن بأن يحصل بدل الحركة السكون لأن الإمكان الذاتي لا يزول ولهذا صح جعله دكا فإنه لا يقال جعله دكا إلا فيما يجوز أن لا يكون كذا وإنما المحال هو اجتماع الحركة والسكون وهذا كما أن قيام زيد حال قعوده ممكن وبالعكس واجتماعهما محال وما يقال أن الاستقرار مع الحركة محال إن أريد الاجتماع فمسلم لكن ليس هو المعلق عليه وإن أريد المقيد بالمعية فممنوع فإن قيل قد جعلتم الأعم وهو الإمكان الذاتي مستلزما للأخص وهو الاستقبالي قلنا العموم والخصوص بينهما إنما هو بحسب المفهوم دون الوجود لأن الممكن الذاتي ممكن أبدا وقد يقال في الجواب أنه علقها على استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد وهو ممكن في نفسه فيرد عليه أنه واقع في الدنيا فيلزم وقوع الرؤية فيها اللهم إلا أن يقال المراد استقرار الجبل من حيث هو لكن في المستقبل وعقيب النظر بدليل الفاء وإن فلا يرد السكون السابق أو اللاحق فإن قيل وجود الشرط لا يستلزم وجود المشروط قلنا ذلك في الشرط بمعنى ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلا فيه وأما الشرط التعليقي فمعناه ما يتم به علية العلة وآخر ما يتوقف عليه الشيء وما جعل بمنزلة الملزوم لما علق عليه وثانيها أن ليس القصد ههنا إلى بيان إمكان الرؤية أو امتناعها بل إلى بيان أنها لم تقع لعدم وقوع المعلق عليه ورد بأن المدعى لزوم الإمكان قصد أو لم يقصد وقد ثبت وثلثها أنه لما لم يوجد الشرط لم يوجد المشروط وهو الرؤية في المستقبل فانتفت أبدا لتساوي الأزمنة فكانت محالا وهذا في غاية الفساد ورابعها أن التعليق بالجائز إنما يدل على الجواز إذا كان القصد إلى وقوع المشروط عند وقوع الشرط وأما إذا كان القصد إلى الإقناط الكلي عن وجود المشروط بشهادة القرائن كما في هذه الآية فلا ورد بأن
(١١٣)