فيمتنع أن يكون الاقتدار عليه قابلا لذلك بل يلزم تساوي القدرتين في القوة غاية الأمر أن إحداهما تكون أعم وأشمل وهو لا يوجب كونه أشد وأقوى وعليه منع ظاهر قال وقد يستدل للمتقدمين على كون فعل العبد بقدرة الله دون قدرته وجوه منها أن العبد لو كان قادرا على فعله إيجادا واختراعا لكان قادرا على إعادته واللازم منتف إجماعا وجه اللزوم أن إمكان القدرة منه يستلزم ماهيته لا يختلف باختلاف الأوقات ولهذا يصح الاستدلال على قدرة الله على الإعادة بقدرته على الابتداء كما نطق به التنزيل احتجاجا على منكري الإعادة بالنشأة الأولى والاعتراض بمنع إمكان إعادة المعدوم مستندا بأنه يجوز أن يكون خصوصية البدء شرطا أو خصوصية العود مانعا أو يمنع عدم قدرة العبد على الإعادة ليس بشيء لأن الخصم معترف بالمقدمتين ومنها أنه لو كان قادرا على إيجاد فعله لكان قادرا على إيجاد مثله لأن حكم الأمثال واحد لكنا نقطع بأنه يتعذر علينا أن نفعل الآن مثل ما فعلناه سابقا بلا تفاوت وإن بذلنا الجهد في التدبر والاحتياط ومنها أنه لو كان قادرا على إيجاد فلعله لكان قادرا على إيجاد كل ممكن من الأجسام والأعراض لأن المصحح للمقدورية هو الإمكان أو الحدوث والمقدور هو إعطاء الوجود ولا تفاوت في شيء منها باعتراف الخصم ولا يرد النقض بالقدرة الاكتسابية لأنها إنما تتعلق بالذوات وأحوالها وهي مختلفة ومنها أن من فعل العبد الإيمان والطاعات وكثيرا من الحسنات ومن خلق الله تعالى الأجسام والأعراض والشياطين وكثير من المؤذيات ولا شك أن الأول أحسن من الثاني وأشرف فلو كان العبد خالقا لفعله لكان أحسن وأشرف من الله تعالى خلقا وإصلاحا وإرشادا فإن قيل القدرة على الإيمان أحسن وأوضح وأصلح من الإيمان لتوقفه عليها وهي بخلق الله تعالى قلنا فيلزم أن تكون القدرة على الشر والتمكن منه شرا من الكفر وأقبح منه ومنها أن الأمة مجمعون على صحة تضرع العبد إلى الله تعالى في أن يرزقه الإيمان والطاعة ويجنبه الكفر والمعصية ولولا أن الكل بخلق الله تعالى لما صح ذلك إذ لا وجه لحمله على سؤال الأقدار والتمكين لأنه حاصل أو التقرير والتثبيت لأنه عائد إلى الحصول في الزمان الثاني وذلك عندهم بقدرة العبد ومنها أن الأمة مجمعون على صحة بل وجوب حمد الله وشكره على نعمة الإيمان نفسه ولا يتصور ذلك إلا إذا كان بخلقه وإعطائه وإن كان لكسب العبد مدخل فيه فأما الشكر على مقدماته من الأقدار والتمكين والتوفيق والتعريف ونحو ذلك فشئ آخر فإن قيل لو استحق بخلق الإيمان المدح لا يستحق بخلق الكفر الذم قلنا ممنوع فإن من شأنه استحقاق المدح والشكر بخلق الحسنات وإيصال النعم لا الذم بخلق القبائح وإرسال النقم لأنه المالك فله الأمر كله لا يقبح منه خلق القبيح فإن قيل فعندكم الإيمان مخلوق الله تعالى وعندهم مخلوق العبد وقد ذكر في بعض الفتاوى أن من قال الإيمان مخلوق كفر فما وجهه قلنا
(١٣١)