شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٠٨
هو نفسها فكان العلم مثلا صفة للذات بها يكون الذات عالما وبقاء لنفسه به يكون هو باقيا وكان بقاء الذات بقاء له وبقاء لنفسه أيضا ولم يكن العلم صفة لنفسه حتى يلزم كونه عالما وهذا كما أن الجسم كائن في المكان بكون يخصه ويزيد عليه ضرورة تحقق الجسم بدون هذا التمكن ثم هذا الكون كائن بكون هو نفسه لا زائد عليه قائم به ولم يكن العلم علما لنفسه حتى يلزم كونه علما ولا بقاءه بقاء للذات ليلزم كونه عالما باقيا بشيء واحد فإن قيل فقد لزم كون الذات عالما بما هو بقاء والعلم باقيا بما هو علم وهو محال قلنا المستحيل أن يكون الشيء عالما بما هو بقاء له وباقيا بما هو علم له وههنا العلم علم للذات وليس بقاء له والبقاء بقاء للعلم وليس علما له فإن قيل إذا جاز كون العلم باقيا ببقاء هو نفسه فلم لم يجز كون الذات عالما بعلم هو نفسه قادرا بقدرة هي نفسه إلى غير ذلك على ما هو رأي المعتزلة قلنا لما سبق في بحث زيادة الصفات من لزوم الفسادات ويرد على هذا الوجه أنه إذا جاز كون بقاء العلم نفسه فلم لا يجوز أن يكون بقاء الذات نفسه ولا تثبت صفة زائدة فإن قيل الأصل زيادة الصفة إلا لمانع وهو ههنا لزوم قيام المعنى بالمعنى ولم يوجد في بقاء الذات قلنا خطابي ومعارض بأن الأصل عدم تكثر القدماء إلا لقاطع الوجه الثالث للأشعري أن الصفات باقية ببقاء هو بقاء الذات وجاز ذلك لعدم المغايرة بين الذات والصفات بخلاف الجوهر مع إعراضه فلذا لم يكن بقاؤه بقاء لها ويرد عليه أن الصفات كما أنها ليست غير الذات فليست عينه أيضا وكما امتنع اتصاف الشيء بصفة قائمة بالغير فكذا بصفة قائمة بما نفس ليس ذلك الشيء وأما الاعتراض بأنه لو كانت الصفات باقية ببقاء الذات لعدم التغاير لكانت عالمة بعلمه قادرة بقدرته إلى غير ذلك فليس بشيء لأن ذلك فرع صحة الاتصاف وقد صح كون العلم مثلا باقيا بخلاف كونه قادرا قال ومنها التكوين اشتهرالقول به عن الشيخ أبي منصور الماتريدي وأتباعه وهم ينسبونه إلى قدمائهم الذين كانوا قبل الشيخ أبي الحسن الأشعري حتى قالوا أن قول أبي جعفر الطحاوي له الربوبية ولا مربوب والخالقية ولا مخلوق إشارة إلى هذا وفسروه بإخراج المعدوم عن العدم إلى الوجود ثم أطنبوا في إثبات أزليته ومغايرته للقدرة وكونه غير المكون وأن أزليته لا يستلزم أزلية المكونات إلا أنهم سكتوا عما هو أصل الباب أعني مغايرته للقدرة من حيث تعلقها بأحد طرفي الفعل والترك واقترانها بإزادته والعمدة في إثباته أن الباري تعالى يكون الأشياء أجماعا وهو بدون صفة التكوين محال كالعام بلا علم ولا بد أن يكون أزلية لامتناع قيام الحوادث بذات الله تعالى ثم اختلف أسماءها بحسب اختلاف الآثار فمن حيث حصول المخلوقات به يسمى تخليقا والأرزاق ترزيقا والصور تصويرا
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»