شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٠٥
النبي عليه الصلاة والسلام بالمعجزات إخبار خاص وقد عرفت ما فيه وقال صاحب المواقف لم يظهر لي فرق بين النقض في العقل وبين القبح العقلي بل هو هو بعينه وأنا أتعجب من كلام هؤلاء المحققين الواقفين على محل النزاع في مسألة الحسن والقبح والجواب أن كلامه في الأزل لا يتصف بالماضي والحال والمستقبل لعدم الزمان وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلقات وحدوث الأزمنة والأوقات وتحقيق هذا مع القول بأن الأزلي مدلول اللفظي عسير جدا وكذا القول بأن المتصف بالمضي وغيره إنما هو اللفظ الحادث دون المعنى القديم (قال الرابع) تقديره أن كلامه يشتمل على أمر ونهي وإخبار واستخبار ونداء وغير ذلك فلو كان أزليا لزم الأمر بلا مأمور والنهي بلا منهى والإخبار بلا سامع والنداء والاستخبار بلا مخاطب وكل ذلك سفه وعبث لا يجوز أن ينسب إلى الحكيم تعالى وتقدرس وأجيب بوجوه أحدها لعبد الله بن سعيد القطان وهو أن كلامه في الأزل ليس بأمر ولا نهي ولا خبر وغير ذلك وإنما يصير أحد الأقسام فيما لا يزال فإن قيل وجود الجنس من غير أن يكون أحد الأنواع ليس بمعقول وأيضا التغير على القديم محال قلنا هو إرادته أمر واحد يعرض له التنوع بحسب التعلقات الحادثة من غير أن يتغير في نفسه وثانيها إن وجود المخاطب إنما يلزم في الكلام الحسي وإما النفسي فيكفيه وجوده العقلي وثالثها أن السفه أو العبث إنما يلزم لو خوطب المعدوم وأمر في عدمه وإما على تقدير وجوده بأن يكون طلبا للفعل ممن سيكون فلا كما في طلب الرجل تعلم ولده الذي أخبره صادق بأنه سيولد وكما في خطاب النبي عليه الصلاة والسلام بأوامره ونواهيه كل مكلف بولد إلى يوم القيامة إذ اختصاص خطاباته بأهل عصره وثبوت الحكم فيمن عداهم بطريق القياس بعيد جدا نعم لو قيل خطاب الحاضرين قصدا والغائبين والمعدومين ضمنا وتبعا ليس من السفه في شيء لكان شيئا واعلم أن هذا الجواب هو المشهور بين الجمهور وكلامهم متردد في أن معناه أن المعدوم مأمور في الأزل بأن يمتثل وتأتي بالفعل على تقدير الوجود أو المعدوم ليس بمأمور في الأزل لكن لما استمر الأمر الأزلي إلى زمان وجوده صار بعد الوجود مأمورا ورابعها أن السفه هو أن يخلو عن الحكمة والعاقبة الحميدة ما يتعلق بها والقديم ليس كذلك إذ لا يطلب بثبوته حكمة وغرض وخامسها أن السفه هو الخالي عن الحكمة بالكلية والأمر الأزلي ليس كذلك لترتب الحكمة عليه فيما لا يزال قال الخامس الوجه الخامس والسادس من تمسكات المعتزلة أن الأمر لو كان أزليا لكان التكليف باقيا أبدا حتى في دار الجزاء لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ولما اختص مكالمة موسى عزم بالطور بل استمر أزلا وأبدا واللازم باطل إجماعا وجوابهما إن الكلام وإن كان أزليا لكن تعلقاته بالأشخاص والأفعال حادثة بإرادة من الله تعالى واختيار فيتعلق الأمر بصلاة زيد مثلا بعد بلوغه وينقطع عند موته ويتعلق الكلام
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»