شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٩١
الموجودات والمعدومات بأنه لا شيء بعد الجميع يعقل تميزه عنه وقد يجاب بأن تميز المعلوم إنما هو عند ملاحظة الغير والشعور به فحيث لا غير لا يلزم التميز ولو سلم فيكفي التميز عن الغير الذي هو كل واحد من الآحاد ومنهم من قال يمتنع علمه بالمعدوم لأن كل معلوم متميز ولا شيء من المعلوم بمتميز والجواب منع الصغرى أما إن أريد التميز بحسب الخارج والكبرى إن أريد بحسب الذهن ومن المخالفين من لم يجوز علمه بذاته ومنهم من لم يجوز علمه بغيره تمسكا بالشبهة المذكورة لنفي العلم مطلقا قال والفلاسفة في العلم بالجزئيات المشهور من مذهبهم أنه يمتنع علمه بالجزئيات على وجه كونها جزئيات أي من حيث كونها زمانية يلحقها التغير لأن تغير المعلوم يستلزم تغير العلم وهو على الله محال في ذاته وصفاته وأما من حيث أنها غير متعلقة بزمان فتعقلها تعقل بوجه كلي لا يلحقه التغير فالله يعلم جميع الحوادث الجزئية وأزمنتها الواقعة هي فيها لا من حيث أن بعضها واقع الآن وبعضها في الزمان الماضي وبعضها في الزمان المستقبل ليلزم تغيره بحسب تغير الماضي والحال والمستقبل بل علما ثابتا أبدا لدهر غير داخل تحت الأزمنة مثلا يعلم أن القمر يتحرك كل يوم كذا درجة والشمس كذا درجة فيعلم أنه يحصل لهما مقابلة يوم كذا وينخسف القمر في أول الحمل مثلا وهذا العلم ثابت له حال المقابلة وقبلها أو بعدها ليس في علمه كان وكائن ويكون بل هي حاضرة عنده في أوقاتها أزلا وأبدا وإنما التعلق بالأزمنة في علومنا والحاصل أن تعلق العلم بالشيء الزماني المتغير لا يلزم أن يكون زمانيا ليلزم تغيره وقال الإمام أن اللائق بأصولهم أن الجزئي إن كان متغيرا أو متشكلا يمتنع أن يتعلق به علم الواجب لما يلزم في الأول من تغير العلم وفي الثاني من الافتقار إلى الآلة الجسمانية وذلك كالأجرام الفلكية فإنها متشكلة وإن لم تكن متغيرة في ذواتها وكالصور والأعراض فإنها متغيرة وكالأجرام الكائنة الفاسدة فإنها متغيرة ومتشكلة وأما ما ليس بمتغير ولا متشكل كذات الواجب وذوات المجردات فلا يستحيل بل يجب العلم به على ما يقرره الحكماء من أنه عالم بذاته الذي هو مبدأ للعقل الأول بالذات ولا شك أن كلا منهما جزئي والعمدة في احتجاج الفلاسفة أنه لو علم أن زيدا يدخل الدار غدا فإذا دخل زيد الدار في الغد فإن بقي العلم بحاله بمعنى أنه يعلم أن زيدا يدخل غدا فهو جهل لكونه غير مطابق للواقع وإن زال وحصل العلم بأنه دخل لزم تغير العلم الأول من الوجود إلى العدم والثاني من العدم إلى الوجود وهذا على القديم محال لا يقال كما أن الاعتقاد الغير المطابق جهل فكذا الخلو عن الاعتقاد المطابق بما هو واقع لأنا نقول لو سلم فإذا لم يعلمه على وجه كلي والجواب أن من الجزئيات مالا يتغير كذات الباري وصفاته الحقيقية عند من يثبتها وكذوات العقول فلا يتناولها الدليل وتخصيص
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»