شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٩٠
وأجيب عن الثاني بمنع استحالة كون الواحد قابلا وفاعلا قال خاتمة علم الله تعالى غير متناه بمعنى أنه لا ينقطع ولا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم ومحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال ونعيم الجنان وشامل لجميع الموجودات والمعدومات الممكنة والممتنعة وجميع الكليات والجزئيات أما سمعا فلمثل قوله تعالى * (والله بكل شيء عليم) * * (عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال) * * (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) * * (يعلم ما تسرون وما تعلنون) * إلى غير ذلك وأما عقلا فلأن المقتضي للعالمية هو الذات إما بواسطة المعنى أعني العلم على ما هو رأي الصفاتية أو بدونها على ما هو رأي الثقاة وللمعلومية إمكانها ونسبة الذات إلى الكل على السوية فلو اختصت عالميته بالبعض دون البعض لكان لمخصص وهو محال لامتناع احتياج الواجب في صفاته وكمالاته لمنافاته الوجوب والغنى المطلق والمخالفون في شمول علمه منهم من قال يمتنع علمه بعلمه وإلا لزم اتصافه بما لا يتناهى عدده من العلوم وهو محال لأن كل ما هو موجود بالفعل فهو متناه على ما مر مرارا وجه اللزوم أنه لو كان جائزا لكان حاصلا بالفعل لأنه مقتضى ذاته ولأن الخلو عن العلم الجائز عليه جهل ونقص ولأنه لا يتصف بالحوادث وينقل الكلام إلى العلم بهذا العلم وهكذا إلى ما لا يتناهى لا يقال علمه ذاته ولو سلم فالعلم بالعلم نفس العلم لأنا نقول أما امتناع كون العلم نفس الذات فقد سبق وأما امتناع كون العلم بالعلم نفس العلم فلأن الصورة المساوية لأحد المتغايرين تغاير الصورة المساوية للمغاير الآخر ولأن التعلق بهذا يغاير التعلق بذاك والجواب أن العلم صفة واحدة لها تعلقات هي اعتبارات عقلية لا موجودات عينية ليلزم المحال ولا يلزم من كونه اعتبارا عقليا أن لا تكون الذات عالما والشيء معلوما في الواقع لما عرفت من أن انتفاء مبدأ المحمول لا يوجب انتفاء الحمل على أن مغايرة العلم بالشيء للعلم بالعلم إنما هي بحسب الاعتبار فلا يلزم كثرة الأعيان الخارجية فضلا عن لاتناهيها وبهذا يندفع الاستدلال بهذا الإشكال على نفي علمه بذاته بل بشيء من المعلومات وأجاب الإمام بأن هذه أمور غير متناهية لا آخر لها والبرهان إنما قام على مالا أول لها ومنهم من قال لا يجوز علمه بما لا يتناهى أما أولا فلأن كل معلوم يجب كونه ممتازا وهو ظاهر ولا شيء من غير المتناهي بممتاز لأن المتميز عن الشيء منفصل عنه محدود بالضرورة وأما ثانيا فلأنه يلزم صفات غير متناهية هي العلوم لما عرفت من تعدد العلوم بتعدد المعلومات والجواب عن الأول أنا لانم أن كل متميز عن غيره يجب أن يكون متناهيا وأن انفصاله عن الغير يقتضي ذلك كيف ولا معنى للانفصال عن الغير إلا مغايرته له وعن الثاني ما سبق وأجاب الإمام عن الأول بأن المتميز كل واحد منها وهو متناه واعترض بأنه إذا كان غير المتناهي معلوما يجب أن يكون متميزا ولا يفيده تميز كل فرد والجواب أنه لا معنى للعلم بغير المتناهي إلا العلم بآحاده وبهذا يندفع الإشكال على معلومية الكل أي جميع
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»