شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٠٨
أن الجسم قابل للاتصال والانفصال وإن كان هو الثاني لم ينعدم الجسم بانعدامه فلم يمتنع كونه قابلا للانفصال بذاته من غير افتقار إلى الهيولي لا يقال الامتداد العرضي من لوازم الجسمية فزواله بزوالها لأنا نقول الزائل امتداد مخصوص وليس بلازم واللازم امتداد ما وليس بزائل كما يرى في الشمعة من تبدل المقادير مع بقاء الجسمية بعينها لا يقال فكذلك الامتداد الجوهري لأنا نقول هذا لا يضر بالمقصود بل يفيده لأن ما يزول عنه خصوص امتداد جوهري ويطرأ آخر أن هو المعنى بالهيولي ولذا قالوا كما يتبدل المقادير على جوهر باق هو الصورة تتبدل الصور على جوهر باق هو المادة بل الجواب أن ليس معنى قبول الجسم للانفصال أنه بعينه ومع بقائه بجميع أجزائه يقبله بل أن فيه جزأ باقيا بعينه هو القابل بالحقيقة له وللاتصال الذي يقابله إما عدم الزوال بالكلية فلضرورة التفرقة بين انعدام ماء الجرة بالمرة وبين انفصاله إلى مياه جمة وإما عدم البقاء بتمام الماهية واقتصار الزوال على الهوية فلانعدام الجزء الذي هو الاتصال هذا والاتصاف أن انفصال الماء إلى المياه ليس بانعدام جوهر وحدوث آخر وأن الباقي في الحالين هو الماء بحقيقته وإن تبدل في هويته لا جزء منها هو الهيولي الخامس أن الجسم الواحد إذا انفصل إلى جسمين فإما أن تكون مادة هذا هي مادة ذاك بعينها وهو مع كونه ضروري البطلان يستلزم أن يكون الواحد بالشخص في حيزين ومتصفا بجسميتين وإما غيرها وحينئذ إما أن تكون المادتان قد كانتا موجودتين عند الاتصال فيشمل الجسم على أجزاء بالفعل بل يكون له مواد غير متناهية بحسب قبول الانقسام بل يتألف من أجسام لا تتناهى ضرورة أن كل مادة تستدعي صورة على حدة أو غير موجودتين فيلزم أن يكون انفصال الجسم انعداما له بالكلية لا بمجرد صورته الاتصالية وهو مع بطلانه يبطل مقصود الاستدلال أعني بقاء أمر قابل للاتصال والانفصال وجوابه أن المادتين كانتا موجودتين لكن بصفة الوحدة لوحدة الاتصال والآن بصفة التعدد لتعدده ولا يلزم من تعددها بعد الوحدة انعدامها وافتقارها إلى مادة أخرى لما سبق من أنها استعداد محض ليس بمتصل واحد في نفسه كما ليس بمتعدد وإنما يفرض له ذلك تبعا للصورة فمناط هذا الإشكال وإن أطنب فيه الإمام الرازي راجع إلى الثلاث وههنا إشكال آخر وهو أن المطلوب ثبوت المادة لكل جسم وهذا الدليل لا يتم في الجسم الذي يمتنع عليه الانفصال الانفكاكي كالفلك إذ قبول الانقسام الوهمي لا يستدعي قابلا في الخارج وسيجئ جوابه في فروع الهيولي (قال وذهب الإشراقيون) هم قوم من الفلاسفة يؤثرون طريق أفلاطون وما له من الكشف والعيان على طريقة أرسطو وما له من البحث والبرهان ذهبوا إلى أن الجسم متصل واحد في نفسه كما هو عند الحس لا تركيب فيه أصلا لا من أجزاء لا تتجزأ ولا من الصورة والهيولي بل هو مقدار جوهري لا يتغير في ذاته بتبدل المقادير العرضية عليه
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»