شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٠٥
لكانت المسافة تصير أقساما غير متناهية في الخارج بحسب موافاة المتحرك حدودا ثم تعود متصلة في نفسها واحدة في ذاتها عند انقطاع الحركة وما يقال أنا قاطعون بأن محل البياض من الجسم غير محل السواد منه مسلم لكن باعتبار اختلاف العرضين لا بالنظر إلى ذات الجسم بحيث يعرض له انفصال وتميز في الخارج بل بالفرض العقلي ولهذا قال في الشفاء ومن الذي بالفرض اختصاص العرض ببعض دون بعض حتى إذا زال ذلك العرض زال ذلك الاختصاص مثل جسم تبيض لا كله فيفرض له بالبياض جزء إذا زال ذلك البياض زال افتراضه فما ذكر في شرح الإشارات من أن الانفصال بحسب اختلاف العرضين انفصال في الخارج من غير تأد إلى الافتراق يحمل على أنه لأمر في الخارج وما ذكر في منطق الشفاء من أنه انفصال بالفعل يحمل على فعل الأذهان دون الأعيان (قال ثم احتج المشاؤون) لما بطل كون الجسم متألفا من أجزاء لا تتجزأ أصلا أو تتجزأ وهما لأفعال متناهية أو غير متناهية يكون اتصاله باجتماعها وانفصاله بافتراقها ثبت أنه متصل في نفسه كما هو عند الحس قابل للانفصال نظرا إلى ذاته على ما مر فله امتداد جوهري تتبدل عليه المقادير المختلفة أعني الجسم التعليمي الذي هو من قبيل الكميات كالشمعة التي تجعل تارة مدورا وتارة مكعبا وتارة صفحة رقيقة إلى غير ذلك وزعموا أن حقيقة الجسم لا تعقل بدون تعقله بل لا تدرك في بادي النظر من الجسم غيره أعني الجوهر الذي له الامتدادات العرضية الآخذة في الجهات فليس هو خارجا عن حقيقة الجسم بل عند أفلاطون وأشياعه نفس الجسم ويقبل الانفصال لذاته وعند أرسطو وأتباعه جزء منه حال في جزء آخر هو القابل للانفصال لأن القابل يجب اجتماعه مع المقبول والاتصال يمتنع أن يبقى مع الانفصال فلا بد من جوهر قابل للاتصال والانفصال يبقى معهما ويتبدل عليه الهويات الاتصالية المختلفة بالشخص وهو المسمى بالهيولي والجوهر الحال بالصورة الجسمية وتحقيق ذلك أن أول ما يدرك من الجسم هوية امتدادية لا تنعدم بانعدام مقدار عنها وحدوث آخر ولا تعقل حقيقة الجسم دون تعقلها بل ربما لا يعقل في بادي النظر من الجسم سواها وهم يسمونها بالاتصال والمتصل بمعنى الجوهر الذي شأنه الاتصال ويعنون بالاتصال الذي هو شأن ذلك الجوهر كونه بحيث تفرض فيه الأبعاد الثلاثة المتقاطعة الآخذة في الجهات وإن كان لفظ الاتصال يطلق على معان أخر عرضية إضافية ككون الجسم بحيث يتحرك بحركة جس آخر وككون المقدار متحد النهاية بمقدار آخر كضلعي الزاوية أو غير إضافية ككون الشيء بحيث إذا فرض انقسامه حدث حد مشترك هو بذاته لا حد قسميه ونهاية للآخر كالسطح لقسمي الجسم والخط لقسمي السطح والنقطة لقسمي الخط والمتصل بهذا المعنى فصل
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»