شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٠٩
أعني ما يوجد بحسب ذهاب جوانب الجسم في الجهات ويسمى طولا وعرضا وعمقا مثلا المقدار الذي هو الشمعة لا يتغير عن ذلك القدر بتغير الأشكال وإنما يتغير ذهاب آحاد المقادير في الجهات فيزيد الطول على ما كان وينقص العرض أو بالعكس وكذا العمق وليس الانفصال عبارة عن زوال الاتصال بهذا المعنى أعني المقدار الجوهري بل بالمعنى الذي يعتبر بين المقدارين فلا يمتنع قبوله إياه مع بقائه بذاته ومنشأ الغلط إطلاق لفظ الاتصال على المعنيين والأجسام المتشاركة في الجسمية إنما تختلف في المقادير المخصوصة التي هي بإزاء الجسميات المخصوصة لا في المقدار المطلق الذي بإزاء الجسم المطلق ثم الجسم من حيث قبوله للهيئات المتبدلة عليه ومن حيث حصول الأنواع المختلفة منه يسمى هيولي كما تسمى تلك الهيئات من حيث تواردها عليه صورا واعترضوا على الحجة المذكورة التي هي العمدة في إثبات الهيولي بوجوه الأول أنه إن أريد بالامتداد والاتصال الجوهر الممتد في الجهات القابل للأبعاد فلا نسلم أنه غير الجسم بالامتداد والاتصال وإن أريد ما يفهمه العقلاء من هذين اللفظين فلا نسلم أنه جوهر بل عرض ودعوى كونه جزأ من حقيقة الجسم وأول ما يدرك من جوهريته غير مسموعة والتمسك بأن ما في الشمعة امتدادا باقيا مع تبدل المقادير عليه ضعيف لأن ذلك هو مطلق الامتداد الباقي بتعاقب خصوصياته من غير ثبوت أمر سوى الخصوصيات كما يقطع ببقاء الشكل عند تبدل الأشكال مع القطع بأنه عارض وبالجملة فلا نسلم أن فيها امتدادا معينا ثابتا لا يتغير أصلا فإن قيل نعني به ذلك الأمر الذي لم ينعدم عند تبدل الأشكال والمقادير وانعدم عند انفصال الشمعة إلى الشمعتين قلنا هو ما يقابل الانفصال من اتصال الأجزاء المفروضة بعضها بالبعض وهو عرض والباقي هو الجسم نفسه وحاصل الكلام أنا لا نسلم أن الاتصال والامتداد بالمعنى الذي يقابل الانفصال ويزول بطريانه جوهر وجزء من الجسم بل لا يعقل منه إلا أمر لا قوام له بنفسه ولا غنى له عن الموضوع فلا يكون إلا عرضا غايته أنه لازم للجسم فعند زواله إلى اتصالين يصير الجسم جسمين حتى لو أمكن زواله لا إلى اتصالين انعدم الجسم بالكلية وإما بمعنى الأمر الذي شأنه الامتداد في الجهات وصحة فرض الأبعاد فلا نسلم أنه غير الجسم كيف ولا يعقل منه إلا أمر قائم بنفسه متحيز بذاته مستغن في قوامه عن المحل والتعبير عنه بالهوية الاتصالية أو المتصل بالذات أو نحو ذلك من العبارات لا يفيد الثاني أن الامتداد طبيعة واحدة فيمتنع كون بعض أفراده أو أصنافه جوهرا والبعض عرضا وإن وقع الاصطلاح على تسمية بعض الجواهر بذلك فلا نسلم أن في المتحيز جوهرا غير نفس الجسم الثالث أنه لو كان في الجسم امتدادان أحدهما جوهري والآخر عرضي فإن فضل أحدهما على الآخر وقع القدر الذي به التفاضل لا في مادة وهو محال إذ لا عرض بدون الموضوع ولا صورة بدون الهيولي وبالجملة لا حال بدون المحل وإن لم يفضل بل تساويا في جميع الأقطار ارتفع الامتياز
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»