للكم يميزا حد نوعيه وهو المقدار عن الآخر وهو العدد ويقع على الجسم التعليمي لأنه ذو اتصال بهذا المعنى وعلى الصورة الجسمية لأنها ذات اتصال بمعنى الجسم التعليمي وعلى الجسم الطبيعي لأنه ذو اتصال بمعنى الصورة الجسمية ثم لا خفاء في أن تلك الهوية الاتصالية لا يبقى نفسها عند طريان الانفصال بل تنعدم ويحدث هويتان أخريان مع القطع بأنه يبقى في حالتي الاتصال والانفصال أمر واحد وهو القابل لهما بالذات للفرق الضروري بين أن ينعدم جسم بكليته ويحدث جسمان آخران أو ينعدم جسمان ويحدث جسم ثالث وبين أن ينفصل جسم فيصير جسمين أو يتصل جسمان فيصير جسما واحدا كماء الجرة يجعل في كيزان أو ماء الكيزان يجعل في جرة فذلك أن الأمر الباقي في الحالين هو المراد بالهيولي وهو استعداد محض ليس في نفسه بواحد ومتصل ليمتنع طريان الكثرة والانفصال عليه مع بقائه بحاله ولا كثير ومنفصل ليمتنع طريان الاتصال عليه بل وحدته واتصاله بحلول الصورة الاتصالية فيه وانفصاله وكثرته بطريان الانفصال عليه فإن قلت الهوية الاتصالية بمعنى الامتداد الجوهري مما أنكره المتكلمون وكثير من الفلاسفة فكيف يصح دعوى كونها أول ما يدرك من جوهرية الجسم وإنما ذلك هو المقادير والامتدادات الفرضية قلنا لا نزاع في ثبوت جوهر شأنه الامتداد والاتصال وفي كونه مدركا بالحس ولو بواسطة ما يقوم به من الأعراض وإنما النزاع في أنه هل هو في نفس الأمر متصل واحد كما هو عند الحس أم لا وعلى الأول هل هو تمام الجسم أم لا بل يفتقر إلى جزء آخر يتوارد عليه الاتصال والانفصال وأما الامتدادات العرضية أعني المقادير فهي التي أنكرها المتكلمون وكثير من الفلاسفة أعني القائلين بأنها أمور عدمية لكونها نهايات وانقطاعات فالسطح للجسم والخط للسطح والنقطة للخط وفيما ذكرنا من التقرير دفع لعدة إشكالات نورد في هذا المقام الأول أن كون الاتصال جوهرا أو جزأ من الجسم ظاهر البطلان إذ لا يعقل منه إلا ما يقابل الانفصال وهما عرضان يتعاقبان على الجسم إذا تحققتهما كانا عائدين إلى وحدته وكثرته وجوابه أنا لا نعني بالاتصال هذا المعنى بل الجوهر الذي شأنه الاتصال وامتداد العرضي وكونه ظاهر الآنية للجسم موقوفا تعقل حقيقة الجسم على تعقله مما لم يشك فيه عاقل ولم ينكره أحد إلا ما نسب إلى البعض من كون الجسم محض الأعراض على أنه أيضا قابل بأنها عند الاجتماع تصير جوهرا قائما بنفسه وإنما النزاع في كونه واحدا في نفس الأمر لا متحصلا من اجتماع الأجزاء وفي كونه جزأ من الجسم لا تمام حقيقته فهذا هو الذي يثبت بالبرهان لا يقال فما ذكر لا يفيد كونه جزأ لجواز أن تكون تلك الهوية الاتصالية الجوهرية التي يجعلونها صورة حالة في مادة نفس الجسم من غير حلول في جزء آخر ويكون قبول
(٣٠٦)