شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٣٠٤
ذلك إنما هو في الأجسام الكرية دون الأجزاء الثالث لا شك أن كل جسم يصير ظله مثليه في وقت ما و ح يكون بالضرورة نصف ظله ظل نصفه فظل الجسم الذي طوله أجزاء وتر تكون شفعا له نصف هو ظل نصف ذلك الجسم فينتصف الجسم وينقسم الجزء ورد بمنع الكلية وإنما ذلك فيما يكون له نصف (قال ثم إنهم أبطلوا) يشير إلى إبطال ما ذهب إليه ذيمقراطيس وجمع من القدماء من أن ما يشاهد من الأجسام المفردة كالماء مثلا ليست بسائط على الإطلاق بل إنما هي حاصلة من تماس بسائط صغار متشابهة الطبع في غاية الصلابة غير قابلة للقسمة الانفكاكية بل للوهمية فقط وبهذا وبتسميتها أجساما يمتاز هذا المذهب عن مذهب القائلين بالجزء وتقريره أن تلك الأجزاء لما كانت متشابهة الطبع باعترافهم جاز على كل منها ما جاز على الآخر وعلى المجموع الحاصل من اجتماعها والقسمة الانفكاكية مما يجوز على المجموع فيجوز على كل جزء إذ لو امتنعت على الجزء نظرا إلى ذاته لامتنعت على المجموع ثم إمكان الانفكاك نظرا إلى الذات لا ينافي امتناعه لعارض تشخص أو غيره من صور نوعية أو غاية صغر أو صلابة أو عدم آلة قطاعة أو نحو ذلك فلا يرد اعتراض الإمام بأن الامتدادات الجسمية غير باقية عند الانفصال ومتجددة عند الاتصال فهي أمور متشخصة ولعلها تمنع الماهية المشتركة عن فعلها وأما اعتراضه بمنع تساوي الأجسام في الماهية فلا يندفع بأن مبنى الكلام على اعترافهم بكون تلك البسائط متساوية في الطبع لأن مراده على ما صرح به في المباحث المشرقية هو أنه لو ادعى مدع أنها متخالفة بالماهية وأنه لا يوجد جزآن متحدان في الماهية لم يثبت أن كل جسم قابل للقسمة والانفكاكية فلم يتم دليل إثبات الهيولي لكن لا خفاء في أنه احتمال بعيد لأن الكلام في الجسم المفرد الذي لا يعقل فيه اختلاف طبيعي وعلى هذا ينبغي أن يحمل قول من قال أن القسمة بأنواعها تحدث في المقسوم إثنينية تساوي طباع كل واحد منها طباع المجموع على القسمة الواردة على الجسم المفرد وإلا ففساده واضح وفسر الطباع بمصدر الصفة الذاتية الأولية للشيء حركة أو سكونا كان أو غيرهما فيكون أعم من الطبيعة وفسر أنواع القسمة بما يكون بحسب الفك والقطع أو بحسب الوهم والفرض أو بحسب اختلاف عرضين قارين أي ما هو للموضوع في نفسه كالسواد والبياض أو غير قارين أي ما هو له بالقياس إلى الغير كالتماس والتحاذي وذلك لأن الانقسام أن تأدي إلى الافتراق فالأول وإلا فإن كان في مجرد الوهم فالثاني ولا فالثالث وبما ذكرنا من اعتبار مجرد الوهم صار هذا قسما ثالثا وإلا فهو من قبيل الانقسام الوهمي والفرضي بدليل قولهم أن الجزء مالا ينقسم لا كسرا ولا قطعا ولا وهما ولا فرضا من غير تعرض لما يكون باختلاف عرضين وذلك للقطع بأن الجسم الذي يتسخن بعضه أو وقع الضوء على بعضه أو لاقى ببعضه جسما آخر لم يحصل فيه الانفصال بالفعل وبحسب الخارج ولم يصر جسمين ثم إذا زال ذلك التسخن أو الضوء أو الملاقاة عاد جسما واحدا ولو كان كذلك
(٣٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»