شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٤٧
المنافاة إنما تتحقق بين شيئين فلا بد من بقاء المزاج الأصلي عند ورود الغريب ليتحقق إدراك كيفية منافية لكيفية العضو فيتحقق الألم وأيضا الدق أشد حرارة من الغب لأن الجسم الصلب لا يتسخن إلا عن حرارة قوية ولأنها تستعمل فيها من ذات أقوى مما يستعمل في الغب ولأنها تؤدي إلى ذوبان مفرط من الأعضاء حتى الصلبة منها وصاحب الدق لا يجد من الالتهاب ما يجده صاحب الغب وما ذاك إلا لكون سوء المزاج المتفق لا يحس به وأيضا المسحم في الشتاء يشمئز بدنه عن الماء الفاتر ويتأذى به ثم أنه بعد ذلك يستلذه ويستطيبه ثم إذا استعمل ماء حارا تأذى به ثم بعد ذلك يستلذه ثم إذا استعمل الماء الأول استبرده وتألم به وذلك لما ذكرنا واعلم أن سوء المزاج المختلف قد لا يوجع بل لا يدرك بالكلية وذلك إذا كان حدوثه بالتدريج فإن الحادث منه أولا يكون قليلا جدا فلا يشعر به وبمنافاته ثم في الزمان الثاني تكون الزيادة على تلك الحالة غير مشعور بها وكذا في كل زمان وهذا بخلاف ما يحدث دفعة فإنه لكثرته يكون مدركا ثم يستمر إدراكه ما دام مختلفا (قال واعتراض الإمام) إشارة إلى دفع الشبه التي أوردها الإمام على كون تفرق الاتصال سببا للوجع فمنها أن التفرق يرادف الانفصال وهو عدمي فلا يصلح علة للوجع لأنه وجودي وجوابه أن الانفصال المرادف للتفرق ليس هو عدم الاتصال بل حركة بعض الأجزاء عن البعض فلا يكون عدميا ولو سلم فلا محالة يلزمه كون هيئة العضو فاقدة كماله اللائق به وأمكن إدراكه من هذه الجهة فيكون موجعا بذاته بمعنى أنه ليس يتوسط سوء المزاج وإن كان يتوسط ما يلزمه من خروج الهيئة العضوية عن كمالها ولو سلم فالعدمي لا يلزم أن يكون معدوما ليمتنع كونه علة للوجود ولو سلم فالمراد بالسبب ههنا المعد إلى الفاعل لإعداد العضو لقبول الوجع لا المؤثر الموجد ولا امتناع في أن يكون التفرق العدمي بحيث متى حصل اقتضى الوجع كسوء المزاج ومنها أنه لو كان سببا للوجع لكان الإنسان دائما في الوجع لأنه دائما في تفرق الاتصال بواسطة الاغتذاء والتحلل لأن الاغتذاء والنمو إنما يكون بنفوذ الغذاء في الأعضاء والتحلل إنما يكون بالانفصال عن الأعضاء لا يقال هذا التفرق لكونه في غاية الصغر لا يؤلم أو لا يحس تألمه سيما وقد صار مألوفا بدوامه لأنا نقول كل تفرق وإن كان صغيرا لكن جملتها كثيرة جدا ولو كان التفرق حين ما كان مألوفا غير مؤلم لكان كل تفرق كذلك لأن حكم الأمثال واحد ومنها أن التفرق لو كان سببا بالذات لما تأخر عنه الأثر بحسب الزمان واللازم باطل لأن قطع العضو بآلة في غاية الحدة قطعا في غاية السرعة لا يحس منه بالألم إلا بعد لحظة ربما يحصل سوء المزاج وجوابهما أنا لا نعني بكون تفرق الاتصال سببا للوجع بالذات أنه نفسه تمام العلة بحيث لا يتخلف الوجع عنه أصلا بل نعني أن القدر المحسوس من التفرق فإذا كان في عضو خاص من التفات النفس إليه والشعور به من غير أن يصير مستمرا مألوفا وبشرط أن يدرك من جهة كونه
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»