الجذب والهضم سليمة ليست بمستقيم لأن الحال والملكة إنما تكونان من الكيفيات النفسانية أي المختصة بذوات الأنفس الحيوانية على ما صرحوا به وعلى هذا يكون في تعريف الشفاء تكرارا اللهم إلا أن يراد بالملكة والحال الراسخ وغير الراسخ من مطلق الكيفية أو يراد بالأنفس أعم من الحيوانية والنباتية وكلاهما خلاف الاصطلاح وأما ما ذكره في موضع آخر من القانون أن الصحة هيئة يكون بها بدن الإنسان في مزاجه وتركيبه بحيث تصدر عنه الأفعال كلها صحيحة سليمة فمبني على أن الصحة المبحوث عنها في الطب هي صحة الإنسان والمراد بصحة الأفعال وسلامتها خلوصها عن الآفة وكونها على المجرى الطبيعي على ما يناسب المعنى اللغوي فلا يكون تعريف صحة البدن والعضو بها تعريف الشيء بنفسه وهذا ما قال الإمام أن الصحة في الأفعال أمر محسوس وفي البدن غير محسوس وتعريف غير المحسوس بالمحسوس جائز وأما الاعتراض بأن قوله تصدر عنها الأفعال مشعر بأن المبدأ هي تلك الملكة أو الحال وقوله من الموضوع مشعر بأنه الموضوع أعني البدن أو العضو فأجيب عنه بوجهين أحدهما أن الصحة مبدأ فاعلي والموضوع قابل والمعنى كيفية تصدر عنها الأفعال الكائنة من الموضوع الحاصلة فيه وثانيهما أن الموضوع فاعل والصحة واسطة بمنزلة العلة الفاعلية والمعنى تصدر لأجلها وبواسطتها الأفعال من الموضوع وتحقيقه أن القوى الجسمانية لا تصدر عنها أفعالها إلا بشركة من موضوعاتها فالمسخن هو النار والنارية علة لكون النار مسخنة فالمراد أن الصحة علة لصيرورة البدن مصدرا للفعل السليم وهذا المعنى واضح في عبارة القانون في التعريف الثاني وأوضح منه في عبارة الشفاء لأن اللام أوضح في التعليل من الباء وهي من عن فاندفاع الاعتراض عنهما في غاية الظهور والإمام إنما أورده على العبارة الأولى فما ذكر في المواقف أن الصحة ملكة أو حالة تصدر بها الأفعال عن الموضوع لها سليمة وأن الإمام أورد عليه هذا الاعتراض ليس على ما ينبغي وأما المرض فقد عرفه ابن سينا بأنه هيئة مضادة للصحة أي ملكة أو حالة تصدر عنها الأفعال عن الموضوع لها غير سليمة وذكر في موضع من الشفاء أن المرض من حيث هو مرض بالحقيقة فهو عدم لست أعني من حيث هو سوء مزاج أو ألم وهذا مشعر بأن بينهما تقابل الملكة والعدم ووجه التوفيق بين كلاميه على ما أشار إليه الإمام هو أن الصحة عنده هيئة هي مبدأ لسلامة الأفعال وعند المرض تزول تلك الهيئة وتحدث هيئة هي مبدأ للآفة في الأفعال فإن جعل المرض عبارة عن عدم الهيئة الأولى وزوالها فبينهما تقابل العدم والملكة وإن جعل عبارة عن نفس الهيئة الثانية فتقابل التضاد وكأنه يريد أن لفظ المرض مشترك بين الأمرين أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وإلا فالإشكال بحاله وقيل المراد أن بينهما تقابل العدم والملكة بحسب التحقيق وهو العرف الخاص على ما مر أو تقابل التضاد بحسب الشهرة وهو العرف العامي لأن المشهور أن الضدين أمران ينسبان إلى موضوع واحد ولا يمكن أن يجتمعا كالزوجية
(٢٤٩)