الغريبة وليست بمدركة وإن كانت حاصلة لأنها صارت بمنزلة الطبيعة فلم يكن هناك انفعال وشعور فلم يكن ألم وقيل الاشتراك لفظي والتفسير إنما هو للحسي خاصة وأما الوجع فمختص بالحسي في العرف أيضا بل الأظهر اختصاصه باللمسي عل ما صرح به البعض وإن كان ظاهر كلام أئمة اللغة أنه يرادف الألم فلذا قلنا الحسي من الألم سيما اللمسي يسمى وجعا واتفقت كلمة الأطباء على أن كلا من تفرق الاتصال وسوء المزاج المختلف يقع سببا للوجع في الجملة وأن لا سبب له سواهما إما بحكم الاستقراء وإما بالاستدلال وإن كان ضعيفا وهو أن كمال العضو صحته وهي بالمزاج المعتدل والهيئة التي بها يتأتى الأفعال على ما يجب فالمنافي لهذا الكمال يكون مبطلا لاعتدل المزاج وهو سوء المزاج أو للهيئة وهو تفرق الاتصال وإنما اختلفوا في أن كلا منهما يصلح سببا بالذات كما يكون بالعرض وهو مذهب ابن سينا أو السبب بالذات هو تفرق الاتصال فقط وسوء المزاج إنما يكون سببا بواسطة ما يلزمه من تفرق الاتصال وهذا هو المشهور من مذهب جالينوس وكثير من الأطباء أو بالعكس أي السبب بالذات هو سوء المزاج فقط والتفرق إنما يكون سببا بواسطته وإلى هذا مال الإمام الرازي وجمع من المتأخرين وعلى كل من المذاهب احتجاجات واعتراضات أعرضنا عنها مخافة التطويل وتفاصيلها في شرح القانون واشترط ابن سينا في سوء المزاج المولم أن يكون حارا أو باردا لا رطبا أو يابسا وأن يكون مختلفا لا متفقا أما الأول فلأن الرطوبة واليبوسة من الكيفيات الانفعالية دون الفعلية وفيه بحث لأنه إن أريد أنهما ليستا فاعليتين والمولم بالذات فاعل فيشكل بجعل اليبوسة سببا لتفرق الاتصال وكليهما لكثير من الأمراض فليكونا سببين للوجع بذلك المعنى من غير توسط تفرق الاتصال فلا ينحصر السبب فيه وفي سوء المزاج الحار أو البارد وأما السبب بالذات بمعنى المؤثر بالطبع فلا دليل على كون الحار والبارد وتفرق الاتصال كذلك وإن أريد أن الوجع إحساس ما والإحساس انفعال والانفعال لا يكون إلا عن فاعل وهما ليسا من الكيفيات الفاعلة فيشكل بتصريح ابن سينا في مواضع من كتبه بل إطباق القوم على أنهما من الكيفيات المحسوسة بل أوائل الملموسات فعند خروجهما عن الاعتدال يكونان متنافيين فإدراكهما من حيث هما كذلك يكون ألما ثم ذكر ابن سينا أن سوء المزاج اليابس قد يكون مولما بالعرض لأنه قد يتبعه لشدة التقبيض تفرق الاتصال المؤلم بالذات واعترض بأن الرطب أيضا قد يستتبعه بواسطة التمديد اللازم لكثرة الرطوبة المحوجة إلى مكان أوسع وأجيب بأن ذلك إنما يكون في الرطوبة التي مع المادة فيكون الموجب هو المادة لا الرطوبة نفسها وأما الثاني فلأن سوء المزاج المتفق غير مولم ولذلك يسمى بالمتفق والمستوي حيث شابه المزاج الأصلي في عدم الإيلام وذلك لأنه عبارة عن الذي استقر في جوهر العضو وأبطل المقاومة وصار في حكم المزاج الأصلي فلا انفعال فيه للحاسة فلا إحساس فلا ألم وأيضا
(٢٤٦)