شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٣٦
كالجوهر مع العرض والعلة مع المعلول وقد يمنع بطلان اللازم فإن العاقل قد يكون بدون العلم كما في النوم وهو ضعيف والأقرب أن العقل قوة حاصلة عند العلم بالضروريات بحيث يتمكن بها من اكتساب النظريات وهذا معنى ما قال الإمام أنها غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات وما قال بعضهم أنها قوة بها يميز بين الأمور الحسنة والقبيحة وما قال بعض علماء الأصول أنها نور يضيء به طريق يبتدأ به من حيث ينتهي إليه درك الحواس أي قوة حاصلة للنفس عند إدراك الجزئيات بها يتمكن من سلوك طريق اكتساب النظريات وهو الذي يسميه الحكماء العقل بالملكة (قال ومنها) أي ومن الكيفيات النفسانية الإرادة ويشبه أن يكون معناها واضحا عند العقل غير ملتبس بغيرها إلا أنه تعسر معرفتها بكنه الحقيقة والتعبير عنها بما يفيد تصورها وهي تغاير الشهوة كما أن مقابلها وهي الكراهية تغاير النفرة ولهذا قد يريد الإنسان مالا يشتهيه كشرب دواء كريه ينفعه وقد يشتهي مالا يريده كأكل طعام لذيذ يضره وذهب كثير من المعتزلة إلى أن الإرادة اعتقاد النفع أو ظنه فإن نسبة القدرة إلى طرفي الفعل والترك على السوية فإذا حصل في القلب اعتقاد النفع في أحد طرفيه أو ظنه ترجح بسببه ذلك الطرف وصار مؤثرا عنده وذهب بعضهم إلى أنها ميل يعقب اعتقاد النفع أو ظنه لأن القادر كثيرا ما يعتقد النفع أو يظنه ولا يريده مالم يحدث هذا الميل وأجيب بأنا لا نجعله مجرد اعتقاد النفع أو ظنه بل اعتقاد نفع له أو لغيره ممن يؤثر خبره بحيث يمكن وصول ذلك النفع إليه أو إلى غيره من غير مانع من تعب أو معارضة وما ذكر من الميل إنما يحصل لمن لا يقدر على تحصيل ذلك الشيء قدرة تامة كالشوق إلى المحبوب لمن لا يصل إليه أما في القادر التام القدرة فيكفي الاعتقاد المذكور وذهب أصحابنا إلى أن الإرادة قد توجد بدون اعتقاد النفع أو ميل يتبعه فلا يكون شيء منهما لازما لها فضلا عن أن يكون نفسها وذلك كما في الأمثلة التي يرجح فيها المختار أحد الأمرين المتساويين من جميع الوجوه بمجرد إرادته من غير توقف في طلب المرجح واعتقاد نفع في ذلك الطرف والمعتزلة ينكرون ذلك ويدعون الضرورة بأنه لا بد من مرجح حتى لو تساويا في نفس الأمر لم يستبعد منع اختيار أحد الأمرين وسلوك أحد الطريقين وإنما يستبعد عند فرض التساوي وهو لا يستلزم الوقوع والأصحاب يدعون الضرورة بأن ذلك الترجيح ليس إلا لمحض الإرادة من غير رجحان واعتقاد نفع في ذلك المعين فالإرادة عندهم صفة بها يرجح الفاعل أحد مقدوريه من الفعل والترك وهذا معنى الصفة المخصصة لأحد طرفي المقدور بالوقوع وهذا التفسير كما لا يقتضي كونها من جنس الاعتقاد أو الميل كذلك لا ينفيه وكذا لا يقتضي كون متعلقها مقدورا لجواز أن يكون صفة تتعلق بالمقدور وغيره ويكون من شأنها الترجيح والتخصيص لأحد طرفي المقدور ولهذا جاز إرادة الحياة والموت فبطل ما قيل أن متعلق الإرادة على هذا التفسير لا يكون
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 325 236 237 238 239 240 241 ... » »»