شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٥٨
ضرورة امتناع اجتماع حصول الجوهرين في آن واحد في حيزين فإن قيل أليس الجوهر الفرد المحفوف بستة جواهر على جهاته الست قد اجتمع فيه أكوان ستة هي مماساته لها فإن من منع ذلك ولم يجوز مماسة جوهر لآكثر من جوهر تفاديا عن لزوم التجزي فقد كابر مقتضى العقل بل الحس فإن تأليف الجسم من الجواهر عند من يقول بها لا يتصور بدون ذلك قلنا القائلون بتضاد الأكوان لا يجعلون المماسة منها بل أمرا اعتباريا (قال المبحث الثاني) يشير إلى أمرين اختلفوا في كل منهما أنها حركة أو سكون الأول حال الأجزاء الباطنة من الجسم المتحرك الثاني حال الجسم المستقر المتبدل محاذياته بواسطة حركة بعض ما يحيط به من الأجسام كالحجر المستقر على الأرض في الماء الجاري وكالطير الواقف في الجو عند هبوب الرياح والحق أن الأول حركة والثاني سكون بشهادة العقل والعرف وقد يستدل على الأول بأنه لو كان ساكنا مع حركة باقي الأجزاء لزم الانفكاك أي انفصال بعض الأجزاء عن البعض وبأن الأجزاء الباطنة في الأجزاء الظاهرة وهي في الحيز فتكون الباطنة أيضا فيه وقد انتقل منه إلى آخر وعلى الثاني بأنه لو كان متحركا لزم التحرك في حالة واحدة إلى جهتين مختلفتين عند اختلاف جهات حركات الأجسام المحيطة به عليه بأن يتحرك البعض عليه آخذا من يمنته إلى يسرته والبعض بالعكس والكل ضعيف احتج المخالف في الأول بأن الجزء الباطن لم يفارق حيزه الذي هو الأجزاء المحيطة به ولا حركة بدون مفارقة الحيز وأجيب بأن حيز الكل حيزه وقد فارقه وفي الثاني بأنه حصل في حيز هو ما يحيط به من الجواهر بعد الحصول في حيز آخر ولا معنى للحركة سوى هذا وبأنه قد تبدلت عليه محاذياته وهو نفس الحركة أو ملزومها وأجيب بأن حيزه البعد المفطور وهو بعد حاصل فيه ولو سلم فالحصول في الحيز الثاني إنما يكون حركة إذا كان بزواله عن الأول دون العكس وبأن تبدل المحاذيات إنما يستلزم الحركة إذا كان من جهة المتحيز بأن يزول من محاذاة إلى محاذاة فظهر أن الخلاف في الأول عائد إلى الخلاف في حيز الجزء الباطن أنه حيز الكل أعني البعد المشغول به أو الجواهر المحيطة به أم ماله خاصة من البعد أو الأجزاء المحيطة به وفي الثاني إلى الخلاف في أن الحيز هو البعد المفطور الذي لا يفارقه المستقر بتحرك الجواهر المحيطة وتبدل المحاذيات بذلك أم الجواهر المحيطة به على ما يناسب قول الفلاسفة من أنه السطح الباطن من الحاوي وعلى هذا التقدير هل يتوقف حصول الحركة على أن يكون مفارقة الحيز وتبدل المحاذيات من جهة المتحيز البتة أم يحصل بأن يزول الحيز عنه وعن محاذاته وعلى الأول تمتنع حركة الجسم في حالة واحدة إلى جهتين مختلفتين وعلى الثاني لا يمتنع كما إذا تحرك بعض الجواهر المحيطة يمنة والبعض يسرة على ما يلتزمه الأستاذ أبو إسحق وأن شدد غيره النكير عليه حقا فإن العقل
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»