السوية حكم بأنها تضاد الخلق مضادة مشهورة وهذا ما قال في التجريد أن القدرة تضاد الخلق لتضاد أحكامهما (قال ومنها) أي من الكيفيات النفسانية اللذة والألم وتصورهما بديهي كسائر الوجدانيات وقد يفسران قصدا إلى تعيين المسمى وتلخيصه فيقال اللذة إدراك الملائم من حيث هو ملائم والألم إدراك المنافي من حيث هو مناف والملائم للشيء كماله الخاص أعني الأمر اللائق كالتكيف بالحلاوة للذائقة وتعقل الأشياء على ما هي عليه للعاقلة وقيد بالحيثية لأن الشيء قد يكون ملائما من وجه دون وجه فإدراكه لا من جهة الملائمة لا يكون لذة كالصفراوي لا يلتذ بالحلوى والمراد بالإدراك الوصول إلى ذات الملائم لا إلى مجرد صورته فإن تخيل اللذيذ غير اللذة ولذا كان الأقرب ما قال ابن سينا أن اللذة إدراك ونيل الوصول ما هو عند المدرك كمال وخير من حيث هو كذلك والألم إدراك ونيل لوصول ما هو عند المدرك آفة وشر من حيث هو كذلك فذكر مع الإدراك النيل أعني الإصابة والوجدان لأن إدراك الشيء قد يكون بحصول صورة تساويه ونيله لا يكون إلا بحصول ذاته واللذة لا تتم بحصول ما يساوي اللذيذ بل إنما يتم بحصول ذاته وذكر الوصول لأن اللذة ليست هي إدراك اللذيذ فقط بل هي إدراك حصول اللذيذ للملتذ ووصوله إليه والفرق بين الكمال والخير هو أن حصول ما يناسب الشيء ويليق به من حيث اقتضائه براءة ما لذلك الشيء من القوة إلى الفعل كمال له ومن حيث كونه مؤثرا خير ثم المعتبر كماليته وخيريته بالقياس إلى المدرك لا في نفس الأمر لأنه قد يعتقد الكمالية والخيرية في شيء فيلتذ به وإن لم يكونا فيه وقد لا يعتقدهما فيما تحققتا فيه فلا يلتذ به ولهذا يحصل من شيء معين لذة أو ألم لزيد دون عمرو وبالعكس فكل من اللذة والألم نوع من الإدراك اعتبر فيه إضافة إلى ملائم أو مناف يختلف بالقياس إلى المدرك وإصابة ووجدان لذات الملائم أو المنافي من حيث هو كذلك لا للصورة الحاصلة منه وبقيد الحيثية يندفع ما يقال أن المريض قد يلتذ بالحلاوة مع أنها لا تلائمه بل يضره ويتنفر عن الأدوية وهي تلائمه وتنفعه وذكر الإمام بعد الاعتراف بأن اللذة والألم حقيقتان غنيتان عن التعريف أنا نجد من أنفسنا حالة نسميها باللذة ونعرف أن هناك إدراكا للملائم لكن لم يثبت لنا أن اللذة نفس إدراك الملائم أم غيره وبتقدير المغايرة هل هي معلولة له أم لا وبتقدير المعلولية هل يمكن حصولها بطريق آخر ثم قال والأقرب أن الألم ليس هو نفس إدراك المنافي ولا هو كاف في حصوله لأن التجارب الطبية قد شهدت بأن سوء المزاج الرطب غير مؤلم مع أن هناك إدراك أمر غير طبيعي وسنتكلم على ذلك وزعم محمد بن زكريا أن اللذة عبارة عن التبدل والخروج عن حالة غير طبيعية إلى حالة طبيعية وبه صرح جالينوس في مواضع من كلامه وهو معنى الخلاص عن الألم وذلك كالأكل للجوع والجماع لدغدغة المني وأوعيته وأبطله ابن سينا وغيره بأنه قد يحصل اللذة من غير سابقة ألم
(٢٤٤)