والفردية لا بحسب التحقيق ليلزم كونهما موجودين في غاية التخالف تحت جنس قريب وقد صرح بذلك ابن سينا حيث قال أن أحد الضدين في التضاد المشهوري قد يكون عدما للآخر كالسكون للحركة والمرض للصحة لكن قوله هيئة مضادة ربما يشعر بأن المرض أيضا وجودي كالصحة ولا خفاء في أن بينهما غاية الخلاف فجاز أن يجعلا ضدين بحسب التحقيق مندرجين تحت جنس هو الكيفية النفسانية واعترض الإمام بأنهم اتفقوا على أن أجناس الأمراض المفردة ثلاثة سوء المزاج وسوء التركيب وتفرق الاتصال ولا شيء منها بداخل تحت الكيفية النفسانية المسماة بالحال أو الملكة أما سوء المزاج فلأنه إما نفس الكيفية الغريبة التي بها خرج المزاج عن الاعتدال على ما يصرح به حيث يقال الحمى حرارة كذا وكذا وهي من الكيفيات المحسوسة وأما اتصاف البدن بها وهو من مقولة ان ينفعل وأما سوء التركيب فلأنه عبارة عن مقدار أو عدد أو وضع أو شكل أو انسداد مجرى مخل بالأفعال وليس شيء منها داخلا تحت الحال والملكة وكذا اتصاف البدن بها وذلك لأن المقدار والعدد من الكميات والوضع مقولة برأسها والشكل من الكيفيات المختصة بالكميات والاتصاف من أن ينفعل ولم يتعرض للانسداد وكأنه يجعله من الوضع أو أن ينفعل وإما تفرق الاتصال فلأنه عدمي لا يدخل تحت مقولة أصلا وإذا لم يدخل المرض تحت الحال والملكة لم يدخل الصحة تحتها لكونه ضدا لها هذا حاصل تقرير الإمام لا ما ذكر في المواقف من أن سوء المزاج وسوء التركيب وتفرق الاتصال إما من المحسوسة أو الوضع أو عدم التركيب فإنه اختصار مخل أو العذر بأنه لم يعتد بباقي المحتملات لظهور بطلانها ظاهر البطلان لأن قولنا سوء التركيب إما مقدار يخل بالأفعال أو عدد أو وضع أو انسداد مجرى كذلك ليس بيانا للمحتملات بل للأقسام فليفهم وتقرير الجواب بعد تسليم كون التضاد حقيقيا أن تقسيم المرض إلى سوء المزاج وسوء التركيب وتفرق الاتصال تسامح والمقصود أنه كيفية نفسانية تحصل عند هذه الأمور وتنقسم باعتبارها وهذا ما قيل أنها منوعات أطلق عليها اسم الأنواع وذلك كما يطلق الصحة على اعتدال المزاج أو المزاج المعتدل مع أنه من المحسوسات (قال ثم المعتبر) قد اختلفوا في ثبوت الواسطة بين الصحة والمرض وليس الخلاف في ثبوت حالة وصفة لا يصدق عليها الصحة ولا المرض كالعلم والقدرة والحياة إلى غير ذلك مما لا يحصى بل في ثبوت حالة لا يصدق معها على البدن أنه صحيح أو مريض بل يصدق عليه أنه ليس بصحيح ولا مريض فأثبتها جالينوس كما للناقهين والمشايخ والأطفال ومن ببعض أعضائه آفة دون البعض ورد عليه ابن سينا بأنه أهمل الشرائط التي يجب أن تراعى في حال ما له وسط وما ليس له وسط وهي أن يفرض الموضوع واحدا بعينه في زمان واحد بعينه وأن يكون الجزء واحدا بعينه والجهة والاعتبار واحدة بعينها فإن فرض إنسان واحد واعتبر
(٢٥٠)