شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٤٨
منافيا لكيفية العضو فهو مؤلم بالذات بمعنى عدم التوقف على سوء المزاج وإن كان إيلامه بواسطة ما يلزمه من فقدان هيئة العضو كماله اللائق به وحينئذ يجوز أن لا يكون التفرق في الاغتذاء والتحلل قدر ما يدركه الحس أو يكون مألوفا لا يضر ولا يؤلم أو يكون إدراكه لا من جهة كونه منافيا وتفرقا بل من جهة كونه ملائما ونافعا للبدن ببقاء الصحة والقوة وبقاء البدن من الفضول وما ذكر من لزوم استواء التفرقات في الأحكام ظاهر الفساد كيف والتفرق الغذائي طبيعي دائم في أجزاء صغيرة مألوف يترتب عليه للبدن مصالح كثيرة وقطع العضو ليس كذلك وأما قطع العضو سريعا بآلة في غاية الحدة فإن كان مع التفات النفس والشعور فلا نسلم تأخر الألم وإن كان بدونه فلا إشكال ألا يرى أن من انصرف فكرته إلى أمر أهم شريف كالتأمل في مسألة علمية أو خسيس كاللعب بالنرد والشطرنج أو متوسط كالابتلاء بوجع أقوى أو الوقوع في معركة أو الاهتمام بمهم دنيوي ربما لا يدرك ألم الجوع والعطش وكثير من المؤذيات وكذا المستلذات ومنها أنه لو كان سببا لكانت الجراحة العظيمة أقوى إيلاما من لسعة العقرب لكون التفرق في الجراحة أكثر وجوابه أن ذلك إنما يلزم لو كان ألم لسعة العقرب أيضا لتفرق الاتصال وهو ليس بلازم لجواز أن يكون لما يحصل بواسطة السمية من سوء مزاج مختلف أقوى تأثيرا من الجراحة العظيمة (قال ومنها) أي من الكيفيات النفسانية الصحة والمرض أما الصحة فقد عرفها ابن سينا في أول القانون بأنها ملكة أو حالة يصدر عنها الأفعال من الموضوع لها سليمة وليست كلمة أو للترديد المنافي للتحديد بل للتنبيه على أن جنس الصحة هو الكيفية النفسانية سواء كانت راسخة أو غير راسخة ولا يختص بالراسخة كما زعم البعض على ما قال في الشفاء أنها ملكة في الجسم الحيواني يصدر عنه لأجلها أفعاله الطبيعية وغيرها على المجرى الطبيعي غير مألوفة فأورد ما هو صحة بالاتفاق وهذا ما قيل أن جنسها هو المسمى بالحال أو الملكة وليس هناك شك في ذاتي للصحة ولا في عرضي على ما قال الإمام أنه لا يلزم من الشك في اندراج الصحة تحت الحال أو الملكة شك في شيء من مقومات الصحة بل في بعض عوارضها لأن المخالفة بين الحال والملكية إنما هي بعارض الرسوخ وعدمه وإنما قدم الملكة على الحال في الذكر مع أنها متأخرة عنه في الوجود حيث تكون الكيفية أولا حالا ثم تصير ملكة لأن الملكة لرسوخها أشرف من الحال ولأنها أغلب في الصحة وقال الإمام لأنها لم يقع اختلاف في كونها صحة بخلاف الحال ولأنها غاية الحال والغاية متقدمة في العلية وهذا التعريف يتناول صحة الإنسان وغيره من الحيوانات وما ذكر الإمام من أنه يتناول صحة النبات أيضا وهو ما إذا كان أفعاله من
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»