شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٣٤
بالاستدلال (قال المبحث الخامس) اتفق القائلون بأن العلم القديم على أنه واحد يتعلق بمعلومات متعددة واختلفوا في الحادث فذهب الشيخ وكثير من المعتزلة إلى أن الواحد منه يمتنع أن يتعلق بمعلومين وهذا هو المعنى بقولنا يتعدد العلم بتعدد المعلوم وذهب بعض الأصحاب إلى أنه يجوز وجعل الإمام الرازي الخلاف مبنيا على الخلاف في تفسير العلم أنه إضافة فيكون التعلق بهذا غير التعلق بذاك أو صفة ذات إضافة فيجوز أن يكون للواحد تعلقات بأمور متعددة كالعلم القديم ومحل الخلاف هو التعلق بالمتعدد على التفصيل ومن حيث أنه كثير فلا يكون التعلق بالمجموع المشتمل على الأجزاء من هذا القبيل مالم يلاحظ الأجزاء على التفصيل ويرد على الإمام أن الجواز الذهني أعني عدم الامتناع عند العقل بالنظر إلى كون العلم صفة ذات إضافة لا يستلزم الجواز الخارجي أعني عدم الامتناع في نفس الأمر على ما هو المتنازع لجواز أن يمتنع بدليل من خارج كما قيل وإن كان ضعيفا أنه ليس عدد أولي من عدد فلو تعلق بما فوق الواحد لزم تعلقه بما لا نهاية له وكما قال أبو الحسن الباهلي أنه يمتنع في المعلومين النظريين وإلا يلزم اجتماع النظرين في علم واحد ضرورة أن النظر المؤدي إلى وجود الصانع غير المؤدي إلى وحدته وأجيب بمنع اللزوم لجواز أن يكون المعلومان بعلم واحد حاصلين بنظر واحد إذ لا امتناع في أن يحصل بنظر واحد أمور متعددة كالنتيجة ونفي المعارض وكون الحاصل علما لا جهلا وكما قال القاضي وإمام الحرمين أنه يمتنع إن كان المعلومان بحيث يجوز انفكاك العلم بأحدهما عن العلم بالآخر وإلا يلزم جواز انفكاك الشيء عن نفسه ضرورة أن العلم بهذا نفس العلم بذاك والتقدير جواز انفكاكهما وأجيب بأنه يكفي في جواز الانفكاك كونهما معلومين بعلمين في الجملة وهذا لا ينافي معلوميتهما بعلم واحد في بعض الأعيان وحينئذ لا انفكاك فإن قيل الإمكان للممكن دائم فيجوز الانفكاك دائما وفيه المطلوب قلنا نعم إلا إنه لا ينافي الامتناع بالغير وهو المعلومية بعلم واحد فإن عند تعلق العلم الواحد بهما جواز الانفكاك بحاله بأن يتعلق بها علمان فإن قيل نفرض الكلام في المعلومين بجواز انفكاكهما في التعقل كيف ما علمنا قلنا إمكان معلومين بهذه الحيثية نفس المتنازع وقد يستدل بأنه لو جاز كون الصفة الواحدة مبدأ للأحكام المختلفة كالعالمية بالسواد والعالمية بالبياض لجاز كونهما مبدأ للعالمية والقادرية ويلزم استغناء الأشياء عن تعدد الصفات باستناد آثارها إلى صفة واحدة ويجاب بأنه تمثيل بلا جامع كيف والأحكام ههنا متجانسة بخلاف مثل العالمية والقادرية وأما فيما لا يجوز الانفكاك كالمجاورة والمماثلة والمضادة وغير ذلك فيجوز أن يتعلق علم واحد بمعلومين بل ربما يجب كما في العلم بالشيء مع العلم بالعلم به فإن هناك معلومات غير متناهية لأن العلم بالشيء مستلزم للعلم بالعلم به ضرورة وهو العلم بالعلم به وهكذا لا إلى نهاية فلو لم يكن عدة من هذه المعلومات حال عدم الحادث بالنسبة إلى وجوده لأنا نقول إنما جاز ذلك من جهة أن الأمس اسم للزمان المأخوذ مع التقدم المخصوص وأما في نفس أجزاء الزمان فلا بل غايته لزوم التقدم والتأخر فيما بينها لكونها عبارة عن اتصال غير قار ولو سلم فالحادث من حيث الحدوث أيضا كذلك إذ لا معنى له سوى ما يكون وجوده مسبوقا بالعدم ولو سلم فالمقصود منع انحصار السبق في الأقسام الخمسة مستندا إلى السبق فيما بين أجزاء الزمان فإنه ليس زمانيا بمعنى أن يوجد المتقدم في زمان لا يوجد فيه المتأخر ولا يضرنا تسميته زمانيا بمعنى آخر وقد سبق تحقيق ذلك في موضعه (قال هذا والتحقيق 2) يريد أن الزمان عندنا أمر وهمي يقدر به المحدات وبحسبه يكون العالم مسبوقا بالعدم وليس أمرا موجودا من جملة العالم يتصف بالقدم أو الحدوث فإن أثبت الفلاسفة وجود الزمان بمعنى مقدار الحركة لم يمتنع سبق العدم عليه باعتبار هذا الأمر الوهمي كما في سائر الحوادث وبهذا يظهر الجواب عن استدلالهم على قدم العالم بأن وجود الباري إما أن يكون متقدما على وجود العالم بقدر غير متناه أو لا فعلى الأول يلزم منه قدم الزمان لأن معنى لا تناهي القدر وجود قبليات وبعديات متصرمة لا أول لها وهو معنى قدم الزمان ويلزم منه قدم الحركة والجسم لكونه مقدارا لها وعلى الثاني يلزم حدوث الباري أو قدم العالم لأن عدم تقدمه على العالم بقدر غير متناه أما بأن لا يتقدم عليه أصلا وذلك بأن يحصل معه في وقت حدوثه فيكون حادثا أو يحصل العالم معه في الأزل فيكون قديما وأما بأن يتقدم عليه بقدر متناه وذلك بأن لا يوجد قبل ذلك القدر فيكون حادثا وهو محال (قال الفصل الثاني فيما يتعلق بالأجسام على التفصيل 4) مثل البحث عن خصوص أحوال البسايط الفلكية أو العنصرية أو المركبات المزاجية أو غير المزاجية أو حال ما هو من أقسام بعض هذه الأربعة (قال جزؤه المقداري) احتراز عن الجزء العقلي كالجنس والفصل أو العيني كالهيولي والصورة فإنه لا يكون مثل الكل في الاسم والحد لا في البسيط ولا في المركب (قال والمأخوذ في كل 3) قد ذكر لكل من الجسم البسيط والجسم المركب تفسيرين أحدهما وجودي والآخر عدم له فالآن يشير إلى أن ما جعل مأخذ التفسيرين أعني التألف من الأجسام المختلفة الطبايع وتساوي الجزء والكل في الاسم والحد قد يعتبر من حيث الحقيقة وقد يعتبر من حيث الحس فيحصل لكل من البسيط والمركب أربع تفسيرات مختلفة بالعموم والخصوص متعاكسة في الوجودية والعدمية فللبسيط ما لا يتألف من المختلفات حقيقة ما لا يتألف منها جساما يساوي جزؤه الكل حقيقة ما يساويه حسا وللمركب ما يتألف حقيقة ما يتألف حسا ما لا يساوي حقيقة ما لا يساوي حسا فالمأخوذ من المأخذ الأول للمركب وجوذي وللبسيط عدمي ومن
(٢٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 229 230 231 232 233 234 235 325 236 237 238 ... » »»