شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٣٠
الجمهور بأنا نجد فرقا ضروريا بين العلم التام بهذا اللون وبين إبصاره وهكذا بين العلم بهذا الصوت وسماعه وبين العلم بهذه الرايحة وشمها إلى غير ذلك وأجيب بأنا لا نسلم أن ما يتعلق به الإحساس يمكن تعلق العلم به بطريق آخر ولو سلم فيجوز أن يكونا علمين متخالفين بالماهية أو الهوية وفيه ضعف أما أولا فلأن إمكان تعلق علم آخر به ضروري كيف وأنا نحكم عليه عند عدم الإحساس أيضا وأما ثانيا فلأن مقصود الجمهور نفي أن تكون حقيقة إدراك الشيء بالحس هي حقيقة إدراكه المسمى بالعلم بحيث لا يتفاوت إلا في طريق الحصول كما في العلم بالشيء بطريق الاستدلال أو الإلهام أو الحدس وأما بعد تسليم كونهما نوعين مختلفين من الإدراك فيصير البحث لفظيا مبنيا على أن العلم اسم لمطلق الإدراك أو لنوع منه والحق أن إطلاقه على الإحساس مخالف للعرف واللغة فإنه اسم لغيره من الإدراكات وقد يخص بإدراك الكلي أو إدراك المركب فيسمى إدراك الجزئي أو إدراك البسيط معرفة وقد يخص العلم بأحد أقسام التصديق أعني اليقين منه وهو ما يقارن الجزم والمطابقة والثبات فيسمى غير الجازم ظنا وغير المطابق جهلا مركبا وغير الثابت اعتقاد المقلد وقد لا يعتبر في الاعتقاد المطابقة فينقسم إلى الصحيح والفاسد وقد يطلق على مطلق التصديق فيعم العلم وغيره وقد يراد بالظن ما ليس بيقين فيعم الظن الصرف والجهل المركب واعتقاد المقلد ثم ظاهر عبارة البعض أن اليقين يقارن الحكم بامتناع النقيض والظن الصرف يقارن الحكم بإمكان النقيض وإن كان مرجوحا لكن التحقيق هو أن المعتبر في اليقين أن يكون بحيث لو أخطر النقيض بالبال لحكم بامتناعه وفي الظن أنه لو أخطر لحكم بإمكانه حتى أن كلا منهما اعتقاد بسيط لا يتركب عن حكمين وأعترض على اعتبار الثبات في اليقين بأنه إن أريد به عسر الزوال فربما يكون اعتقاد المقلد كذلك وإن أريد امتناع الزوال فاليقين من النظريات قد يذهل الذهن عن بعض مباديه فيشك فيه بل ربما يحكم بخلافه والجواب أنه إن أريد بالذهول مجرد عدم الحضور بالفعل عند العقل فإمكان طريان الشك حينئذ ممنوع وإن أريد الزوال بحيث يفتقر إلى تحصيل واكتساب فلا يقين حينئذ بالحكم النظري ونحن إنما نحكم بامتناع الشك في اليقين ما دام يقينا فالتصديق على ما ذكرنا ينحصر في العلم والجهل المركب والاعتقاد الصحيح والظن لأن غير الجازم لا بد أن يكون راجحا لأنه أقل مراتب الحكم أعني قبول النفس وإذعانها لوقوع النسبة أو لا وقوعها وما ذكر الإمام وجمع من المتأخرين أن غير الجازم إما أن يكون راجحا فظن أو مساويا فشك أو مرجوحا فوهم محل نظر لأن الشك تردد في الوقوع واللاوقوع والوهم ملاحظة للطرف المرجوح وكلاهما تصور لا حكم معه أصلا فإن قيل المراد بالشك الحكم بتساوي الطرفين عند العقل قلنا هذا تصديق بكون أحد الأقسام الأربعة بمنزلة قولك أنا شاك في كذا (قال والذهول) يشير إلى الفرق
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»