شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٢٩
الصورة لا للعدم المحض فإما أن تكون في الخارج فلا تكون معدوما والكلام فيه أو في الذهن فيكون فيه من المعدوم أمر هو الصورة وأمر آخر له الصورة وهو باطل لم يقل به أحد قلنا ليس في الذهن إلا أمر واحد هو الصورة ومعنى كونها صورة للمعدوم أنها بحيث لو أمكن في الخارج تحققها وتحقق ذلك المعدوم لكانت إياه ثم أنها من حيث قيامها بالذهن وحصولها فيه علم تتصف به النفس ومن حيث ذاتها وماهيتها العقلية أعني مع قطع النظر عن قيامها بالذهن معلوم له وجود غير متأصل وهذا بخلاف الموجود فإن العلم ما في الذهن والمعلوم ما في الخارج كما مر وبهذا يندفع إشكال آخر وهو أنهم صرحوا بأن الصورة إنما تكون علما إذا كانت مطابقة للخارج وذلك لأن هذا إنما هو في صور الأعيان الخارجية وأما المعدومات من الاعتباريات وغيرها فمعنى مطابقتها ما ذكرنا هذا وفي بعض المواضع من كلام ابن سينا اعتراف بأن العلم بالممتنعات ليس حصول الصورة لأنه ذكر في الشفاء أن المستحيل لا يحصل له صورة في العقل ولا يمكن أن يتصور شيء هو اجتماع النقيضين بل تصور المستحيل إنما يكون على سبيل التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثم يقال مثل هذا الأمر لا يمكن بين السواد والبياض أو على سبيل النفي بأن يحكم العقل بأنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض وعلى هذا حمل صاحب المواقف كلام أبي هاشم حيث جعل العلم بالمستحيل علما لا معلوم له بناء على أن المعلوم شيء والمستحيل ليس بشيء وحينئذ لا يرد اعتراض الإمام بأنه تناقض إذ لا معنى للمعلوم سوى ما تعلق به العلم ولا يحتاج إلى ما ذكره الآمدي من أن له أن يصطلح على أن المعلوم ما تعلق به العلم بالأشياء (قال المبحث الثاني) الإحساس إدراك للشيء الموجود في المادة الحاضرة عند المدرك على هيئات مخصوصة به محسوسة من الابن والوضع ونحو ذلك والتخيل إدراك لذلك الشيء مع الهيئات المذكورة ولكن في حالتي حضوره وغيبته والتوهم إدراك لمعان غير محسوسة من الكيفيات والإضافات مخصوصة بالشيء الجزئي الموجود في المادة والتعقل إدراك للشيء من حيث هو هو فقط لا من حيث شيء آخر سواء أخذ وحده أو مع غيره من الصفات المدركة هذا النوع من الإدراك فالإحساس مشروط بثلاثة أشياء حضور المادة واكتناف الهيئات وكون المدرك جزئيا والتخيل مجرد عن الشرط الأول والتوهم مجرد عن الأولين والتعقل مجرد عن الجميع بمعنى أن الصورة تكون مجردة عن العوارض المادية الخارجية وإن لم يكن بد من الاكتناف بالعوارض الذهنية مثل تشخصها من حيث حلولها في النفس الجزئية ومثل عرضيتها وحلولها في تلك النفس ومقارنتها لصفات تلك النفس وفي كون هذه من العوارض الذهنية كلام عرفته في بحث الماهية (قال وعند الشيخ أبي الحسن الأشعري الإحساس بالشيء علم به) فالإبصار علم بالمبصرات والسماع علم بالمسموعات وهكذا البواقي ورده
(٢٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 ... » »»