شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٢٨
مثل حصول العرض في المحل على ما سبق قلنا لا كلام في قوة هذا الإشكال بل أكثر الإشكالات الموردة على كون الإدراك صورة وغايتها يمكن أن يقال أن الصورة قد تؤخذ من حيث أن الحصول نفسها فتكون عرضا قائما بالنفس حاصلا لها حصولا متأصلا اتصافيا فيكون موجودا عينيا كسائر صفاتها وقد تؤخذ من حيث أن الحصول غيرها فيكون صورة وماهية للموجود العيني الذي ربما يكون من الجواهر فلا تتصف النفس بها ولا هي تحصل للنفس حصولا متأصلا وهي بهذا الاعتبار مفهوم لا تحقق له إلا في الذهن وإطلاق المعلوم عليها تجوز لأن المعلوم ما له صورة في العقل لا نفس الصورة نعم قد يستأنف لها تعقل وتلحقها أحكام وعوارض لا يحاذى بها أمر في الخارج هي المسماة بالمعقولات الثانية وبهذا الاعتبار يصح جعل الكلية من عوارض المعلوم كما يجعل من عوارض المفهوم وأما المعلوم الذي هو ما له الصورة أعني الموجود العيني فلا يتصف بالكلية إلا بمعنى أن الحاصل منه في العقل كلي ذكر في المواقف عن الحكماء أن الموجود في الذهن هو العلم والمعلوم وأن معنى كون الإنسان كليا هو أن الصورة الحاصلة منه في العقل المجردة عن المشخصات كلية أو أن المعلوم بها كلي ثم قال وهذا إنما يصح على رأي من يجعل العلم والمعلوم هي الصورة الذهنية أو يجعل للأمور المتصورة ارتساما في غير العقل وإلا لكان للمعلوم حصول في الخارج فيكون جزئيا لا كليا وأنت خبير بأنه إذا أريد بالمعلوم الصورة الذهنية لم يكن بين الوجهين فرق ولا لقوله بها معنى (قال والمتكلمون) يعني أن من لم يقل بالوجود الذهني وحصول الصورة جعل العلم إما مجرد إضافة وتعلق بين العالم والمعلوم وإما صفة لها تلك الإضافة فالصفة العلم والإضافة العالمية وأثبت القاضي وراء العلم والعالمية إضافة إما لأحدهما فيكون هناك ثلاثة أمور ولكل منهما فتكون أربعة وعلى هذا قياس سائر الإدراكات فإن أورد عليهم علم الشيء بنفس ذاته فإن التعلق لا يتصور إلا بين شيئين أجيب بأن التغاير الاعتباري كاف على ما مر في حصول الشيء للشيء نعم يرد عليهم العلم بالمعدومات من الممكنات ككثير من الأشكال الهندسية والممتنعات كالمفروضات التي يبين بها الخلف فإنه لا تحقق لها في الخارج وإذا لم تتحقق في الذهن أيضا لم تتصور الإضافة بينهما وبين العالم وما يقال من إمكان تحققها قائمة بأنفسها على ما هو رأي أفلاطون أو بغيرها من الأجرام الغائبة عنا فضروري البطلان في الممتنعات لا يقال غاية ما في الباب إثبات الصورة الذهنية في العلم بالمعدومات قلنا الإدراك معنى واحد لا يختلف إلا بالإضافة إلى المدرك والمدرك فإن علم أنه غير نفس الإضافة في موضع علم كونه كذلك مطلقا فإن قيل العلم بالمعدومات وارد على القول بالصورة أيضا لأن الصورة إنما تكون لذي
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»