شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢١٩
الغنة والنحوحة بقي النظر في دلالة قولنا تميزا في المسموع على أن يكون ما به التميز مسموعا وفي أن الحدة والثقل من المسموعات بخلاف الغنة والنحوحة والحق أن معنى التميز في المسموع ليس أن يكون ما به التميز مسموعا بل أن يحصل به التميز في نفس المسموع بأن يختلف باختلافه ويتحد باتحاده كالحرف بخلاف مثل الغنة والنحوحة وغيرها فإنها قد تختلف مع اتحاد المسموع وبالعكس وما وقع في الطوالع من أن الحروف كيفيات تعرض للأصوات فيتميز بعضها عن البعض في الثقل والخفة كلام لا يعقل له معنى وكأنه جعل قوله في الثقل متعلقا بمحذوف أي عن البعض المماثل له في الثقل وأراد بالخفة الحدة وترك قيد التميز في المسموع لشهرته وكفى بهذا اختلالا والحق أن تعريف الحرف بما ذكر تعريف بالأخفى وكان المقصود مزيد تفصيل للماهية الواضحة عند العقل وتنبيه على خصوصياتها قال وينقسم إلى صامت ومصوت الحركات الثلاث تعد عندهم في الحروف وتسمى المصوته المقصورة والألف والواو والياء إذا كانت ساكنة متولدة من حركات تجانسها أعني الألف من الفتحة والواو من الصمة والياء من الكسرة تسمى المصوتة الممدودة وهي المسماة في العربية بحروف المد لأنها كأنها مدات للحركات وما سوى المصوتة تسمى صامتة ويندرج فيها الواو والياء المتحركتان أو الساكنتان إذا لم يكن قبل الواو ضمة وقبل الياء كسرة وأما الألف فلا يكون إلا مصوتا وإطلاقها على الهمزة باشتراك الاسم وليس المراد بالحركة والسكون ههنا ما هو من خواص الأجسام بل الحركة عبارة عن كيفية حاصلة في الحروف الصامة من إمالة مخرجه إلى مخرج إحدى المدات فإلى الألف فتحة وإلى الواو ضمة وإلى الياء كسرة ولا خلاف في امتناع الابتداء بالصوت وإنما الخلاف في أن ذلك بسكونه حتى يمتنع الابتداء بالساكن الصامت أيضا أو لذاته لكونه عبارة عن مدة متولدة من أشباع حركة تجانسها فلا يتصور إلا حيث يكون قبلها صامت متحرك وهذا هو الحق لأن كل سليم الحس يجد من نفسه إمكان الابتداء بالساكن وإن كان مرفوضا في لغة العرب كالوقف على المتحرك والجمع بين الساكنين من الصوامت إلا في الوقف مثل زيد وعمرو وإذا كان الصامت الأول حرف لين والثاني مدغما نحو حويصة فإنه جائز كما إذا كان الأول مصوتا نحو دابة وعدم قدرة البعض على الابتداء بالساكن لا يدل على امتناعه كالتلفظ ببعض الحروف فإن ذلك لقصور في الآلة والاستدلال على الإمكان بأن المصوت أينما كان مشروط بالصامت فلو كان الصامت مشروطا به في بعض المواضع كالابتداء لزم الدور ليس بشيء لأن المصوت مشروط بأن يسبقه صامت والصامت في الابتداء مشروط بأن يلحقه مصوت مقصور فيكونان معا ولا استحالة فيه قوله وينقسم أي الحرف باعتبار آخر إلى آني وزماني لأنه إن أمكن تمديده كالفاء فزماني وإن لم يمكن كالطاء فآني وهو إنما يوجد في أول زمان إرسال النفس كما في طلع أو في آخر زمان حبسه كما في غلظ وما يقع
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»