شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٣١
بين السهو والنسيان وقد لا يفرق بينهما ونسبتهما إلى العلم نسبة الموت إلى الحياة بمعنى أنهما عدم ملكة للعلم مع خصوصية قيد الطريان والشك عدم ملكة للعلم التصديقي فيكون جهلا بسيطا بالنظر إليه وإن كان علما من حيث التصور وأما الجهل المركب أعني الاعتقاد الجازم الغير المطابق ويسمى مركبا لأنه جهل بما في الواقع مع الجهل بأنه جاهل به فمضاد للعلم لصدق حد الضدين عليهما لكونهما معنيين يستحيل اجتماعهما لذاتهما ولكونهما متقابلين وجوديين ليس تعقل أحدهما بالقياس إلى تعقل الآخر وقالت المعتزلة هما متماثلان لأن الحقيقة واحدة والاختلاف إنما هو بالعارض أما أولا فلأنهما لا يختلفان إلا بمطابقة الواقع ولا مطابقته وذلك خارج لأن النسبة لا تدخل في حقيقة المنتسبين والاختلاف بالخارج لا يوجب الاختلاف بالذات وأما ثانيا فلأن من اعتقد أن زيدا في الدار طول النهار وقد كان فيها إلى الظهر ثم خرج كان له اعتقاد واحد مستمر لا اختلاف في ذاته مع أنه كان علما ثم صار جهلا والجواب أن المطابقة واللامطابقة أخص صفات النفس للعلم والجهل فالاختلاف فيه يستلزم الاختلاف في الذات وظاهره معارضة ويمكن تنزيله على المنع أي لا نسلم أن الاختلاف بالعارض لا يوجب الاختلاف بالذات وإنما يكون كذلك لو لم يكن لازما ولا نسلم أن الذات واحدة بل الاعتقادات على التجدد فما دام زيد في الدار فالمتجدد علم وحين خرج فجهل (قال المبحث الثالث العلم) إما قديم لا يسبقه العدم وهو علم الله تعالى وإما حادث يسبقه العدم فهو علم المخلوق ومراتب الحادث ثلاث الأولى ما يكون بالقوة المحضة وهو الاستعداد للعلم وحصوله للضروريات يكون بالحواس الظاهرة والباطنة كما يستفاد من حس اللمس أن هذه النار حارة فتستعد النفس للعلم بأن كل نار حارة وعلى هذا القياس وللنظريات يكون بالضروريات بأن يرتب فيكتسب النظري والثانية العلم الإجمالي كمن علم مسألة فغفل عنها ثم سئل فإنه يحضر الجواب في ذهنه دفعة من غير تفصيل وحقيقته حالة بسيطة إجمالية هي مبدأ تفاصيل المركب والثالثة العلم التفصيلي وهو حضور صورة المركب بحيث تعرف أجزاؤه متميزا بعضها عن بعض ملاحظا كل منها على الانفراد وذلك كما إذا نظرنا إلى الصحيفة دفعة فلا شك أنا نجد حالة إجمالية من الإبصار ثم إذا حدقنا النظر وأبصرنا كل حرف حرف على الانفراد حصلت لنا حالة أخرى مع أن الإبصار حاصل في الحالين فالأولى بمنزلة العلم الإجمالي والثانية بمنزلة العلم التفصيلي وبهذا يتبين معنى كلامهم أن العلم بالماهية يستلزم العلم بأجزائها لكن إجمالا لا تفصيلا واعترض الإمام بأن الحاصل في العلم الإجمالي إما أن يكون صورة واحدة فيلزم أن يكون للحقايق المختلفة صورة واحدة مطابقة لكل منها على أنها متساوية لها بل نفس ماهيتها وإما أن يكون صورا متعددة لتلك المختلفات فيكون العلم التفصيلي بها حاصلا وغاية التفرقة أن يقال
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 325 ... » »»