الإدراك كحصول السواد للحجر أولى فلا يرد ما ذكر الإمام من أن الإدراك إذا كان نفس الحصول كان المدرك هو الذي له الحصول وكان الجسم الحار مدركا للحرارة ومنها أنا نعلم قطعا أن المدرك بالحس أو العقل هو الموجود العيني كهذا السواد وهذا الصوت والإنسان فالقول بأنه مثال وشبح من ذلك الموجود لا نفسه يكون سفسطة والجواب أنه لا نزاع في أن المدرك هو ذلك الموجود لكن إدراكه عبارة عن حصول صورة منه ومثال عند المدرك بحصولها فيه أو في آلته ومنها أنكم تجعلون المدرك للمحسوسات هو النفس أو الحس المشترك مع أن حصول الصورة ليس فيهما بل في الخيال أو غيره من الآلات كالرطوبة الجليدية للمبصرات فلو كان الإدراك هو الحصول لكان المدرك ما فيه الحصول والجواب أنا لا نجعل إدراك المحسوسات هو الحصول في الآلة بل الحصول عند المدرك للحصول في الآلة فلا يلزم ما ذكر وبهذا يندفع اعتراض آخر وهو أنه لو كان مجردا لحضور عند الحس على ما هو المراد بالمشاهدة كافيا في الإدراك لكان الحاضر الذي لا تلتفت إليه النفس مدركا وليس كذلك ومنها أن الصورة العلمية عرض قائم بالنفس وقد جعلتموها مطابقة للموجود العيني الذي ربما يكون جوهرا بل نفس ماهيته وامتناع كون العرض مطابقا للجوهر ونفس ماهيته معلوم بالضرورة وأيضا جعلتموها كلية مع أن كون العرض القائم بالنفس الجزئية جزئيا ضروري وأيضا تجعلون العلم تارة حصول الصورة وتارة نفس الصورة مع ظهور الفرق بينهما والجواب أن الممتنع هو كون الشيء الواحد باعتبار واحد جوهرا وعرضا أو كليا وجزئيا وما عند اختلاف الاعتبار فلا فإن كون الصورة العقلية عرضا من حيث كونها في الحال قائمة بالموضوع الذي هو النفس لا ينافي كونها جوهرا من حيث أنها ماهية إذا وجدت في الخارج كانت لا في موضوع وإنما المستحيل كون الشيء جوهرا وعرضا في الخارج بمعنى كونها ماهية إذا وجدت في الخارج كانت في موضوع ولا في موضوع وكذا كونها جزئية من حيث قيامها بالنفس الجزئية لا ينافي كليتها من حيث مطابقتها للأفراد الكثيرة بمعنى أن الحاصل في العقل من كل منها عند التجرد عن العوارض يكون تلك الصورة بعينها ثم نسبة الحصول إلى الصورة في العقل نسبة الوجود إلى الماهية في الخارج فكما أنه ليس للماهية تحقق في الخارج ولعارضها المسمى بالوجود تحقق آخر حتى يجتمعا اجتماع القابل والمقبول كذلك ليس للصورة تحقق في العقل ولعارضها المسمى بالحصول تحقق آخر وإنما الزيادة بمعنى أن المفهوم من هذا غير المفهوم من ذاك فبهذا الاعتبار يصح جعل العلم تارة نفس الصورة وتارة حصولها فإن قيل لا ارتياب في أن العلم عرض موجود في الخارج لمعنى حصوله في النفس حصولا متأصلا موجبا للاتصاف كسائر صفات النفس والصورة ليست كذلك إذ لا حصول لها إلا في النفس وحصولها فيها ليس حصولا اتصافيا
(٢٢٧)