شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
الكلام في الأجزاء الهوائية المجاورة للأجزاء الخشبية لا التي صارت جزء الممتزج كما في سائر المركبات على ما يراه الفلاسفة فالأقرب أن يقال أن احتباسها فيما بين الأجزاء الخشبية منعها الانفصال وأوجب الاستتباع ومنها ما قال الجبائي أن الاعتماد غير باق لازما كان أو مجتلبا وقال أبو هاشم بل اللازم باق بحكم المشاهدة كما في الألوان والطعوم تمسك الجبائي بأن الإنسان إذا تحامل على حجر هابط واعتماده المجتلب غير باق فكذا اللازم لاشتراكهما في أخص أوصاف النفس أعني كونه اعتمادا هابطا وبأن مالا يبقى من الأعراض كالأصوات وغيرها لا فرق فيها بين المقدور وغير المقدور فكذا في الاعتمادات التي مجتلبها مقدور ولازمها غير مقدور ورد الأول بمنع كون أخص الأوصاف الاعتماد الهابط بل الاعتماد اللازم والثاني بأنه تمثيل بلا جامع ومنها ما قال الجبائي أن الاعتماد لا يولد حركة ولا سكونا وإنما يولدهما الحركة فإن من فتح بابا أو رمى حجرا فما لم تتحرك يده لم يتحرك المفتاح ولا الحجر ثم حركة المفتاح أو الحجر يولد سكونه في المقصد وقال أبو هاشم بل المولد لهما الاعتماد لأنه إذا نصب عمود قائم وأدعم بدعامة فاعتمد عليه إنسان إلى جهة الدعامة ثم أزيلت الدعامة فإن العمود يتحرك إلى جهتها ويسقط وإن لم يتحرك المعتمد وكلاهما ضعيف إذ لا دلالة على الانحصار فيجوز أن يكون المولد هو الحركة تارة والاعتماد أخرى وكذا ما قيل أن حركة الرامي متأخرة عن حركة الحجر لأنه مالم يندفع عن حيزه امتنع انتقال يد الرامي إليه لاستحالة تداخل الجسمين في حيز لأنه إن أريد التأخر بالزمان فاستحالة التداخل لا يوجبه لجواز أن يكون اندفاع هذا وانتقال ذاك في زمان واحد كما في أجزاء الحلقة التي تدور على نفسها بل الأمر كذلك والألزم الانفصال وإن أريد بالذات فالأمر بالعكس إذ مالم تتحرك اليد لم يتحرك الحجر ولهذا يصح أن يقال تحركت اليد فتحرك الحجر دون العكس فالأقرب أن المولد للحركة والسكون قد يكون هو الحركة وقد يكون الاعتماد فإنه يولد أشياء مختلفة من الحركات وغيرها بعضها لذاته من غير شرط كتوليده الحركة على ما سبق من أنه السبب القريب للحركة وبعضها لذاته بشرط كتوليده الأوضاع المختلفة للجسم بشرط حركاته وكتوليده عود الجسم إلى حيزه الطبيعي بشرط خروجه عنه وكتوليده الأصوات بشرط المصاكة وبعضها لا لذاته كتوليده المجاورة المولدة للتأليف وكتوليده تفرق الاتصال المولد للألم (قال والفلاسفة يسمونه) أي الاعتماد ميلا ويقسمونه إلى الطبيعي والقسري والنفساني لأن مبدأه وما ينبعث هو عنه إن كان أمرا خارجا عن محله فقسري كميل السهم المرمي إلى فوق وإلا فإن كان مع قصد وشعور فنفساني كاعتماد الإنسان على غيره وإلا فطبيعي سواء اقتضته القوة على وتيرة واحدة أبدا كميل الحجر المسكن في الجو أو اقتضته على وتائر مختلفة كميل النبات إلى التبرز والتربد ومنهم من سمى المقرون بالقصد والشعور إراديا وجعل النفساني أعم منه ومن أحد
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»