شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٠٤
سينا إنما هو على ما نقله من كلامهم لا على تفسير الرطوبة بسهولة الالتصاق والانفصال على ما يشعر به كلام للواقف ومبناه على أنه لا تعرض في كلامهم للانفصال أصلا ولا للسهولة في جانب الالتصاق على ما ذكر من استلزام سهولة الالتصاق وسهولة الانفصال ممنوع وقد يعترض على اعتبار سهولة الالتصاق بأنه يوجب أن يكون اليابس المدقوق جدا كالطعام المحرقة رطبا لكونه كذلك ويجاب بأنه يجوز أن يكون ذلك لمخالطة الأجزاء الهوائية وهذا ما يتم على رأي من يقول برطوبة الهواء وسهولة التصاقه لولا مانع فرط اللطافة لا على رأي الإمام واعترض على اعتبار سهولة قبول الأشكال بوجوه منها أن النار أرق العناصر وألطفها وأسهلها قبولا للأشكال فيلزم أن يكون أرطبها وبطلانه ظاهر وأجيب بأنا لا نسلم سهولة قبول الأشكال الغريبة في النار الصرفة وإنما ذلك فيما يشاهد من النار المخالطة للهواء فإن قيل إذا أوقد التنور شهرا أو شهرين انقلب ما فيه من الهوا نارا صرفه أو غالبه مع أن سهولة قبول الأشكال بحالها بل أزيد قلنا لو أوقد ألف سنة فداخلة الهوا ومخالطة الأجزاء بحالها ومنها أنه يوجب كون الهوا رطبا ويبطله اتفاقهم على أن خلط الرطب باليابس يفيده استمساكا عن التفتت وخلط الهوا بالتراب ليس كذلك والجواب أن ذلك إنما هو في الرطب بمعنى ذي البلة فإن إطلاق الرطوبة على البلة شايع بل كلام الإمام صريح في أن الرطوبة التي هي من المحسوسات إنما هي البلة لا ما اعتبر فيه سهولة قبول الأشكال لأن الهوا رطب بهذا المعنى ولا تحس منه برطوبة ومنها أنه يوجب أن يكون المعتبر في اليبوسة صعوبة قبول الأشكال فلم يبق فرق بينها وبين الصلابة ويلزم كون النار صلبة لكونها يابسة والجواب أن اللين كيفية تقتضي قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشيء بها قوام غير سيال فينتقل عن وصفه ولا يمتد كثيرا بسهولة والصلابة كيفية تقتضي ممانعة من قبول الغمز ويكون للشيء بها بقاء شكل وسدة مقاومة نحو اللاانفعال فيتغايران الرطوبة واليبوسة بهذا الاعتبار إلا أنه يشبه أن يكون مرجع قبول الغمز ولا قبوله إلى الرطوبة واليبوسة فعلى ما ذكرنا اللين والصلابة كيفيتان متضادتان وهل هما من الملموسات أو الاستعدادات فيه تردد وبعضهم على أن اللين عبارة عن عدم الصلابة عما من شأنه فبينهما تقابل الملكة والعدم قال وأما مثل البلة قد يعد من الملموسات البلة وهي الرطوبة الغريبة الجارية على ظاهر الجسم فإن كانت نافذة إلى باطنها فهي الانقطاع والأظهر أن الجفاف عدم ملكة البلة واللزوجة وهي كيفية تقتضي سهولة التشكل مع عسر التفرق واتصال الامتداد وتحدث من شدة امتزاج الرطب الكثير باليابس القليل ويقابلها الهشاشة وهي ما يقتضي صعوبة التشكل وسهولة التفرق واللطافة وقد تقال لرقة القوام كما في الماء والهواء ولسهولة قبول الانقسام إلى أجزاء صغيرة جدا كما في القند ولسرعة التأثر من الملاقي كما في الورد
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»