البياض إلا بمخالطة الهواء للأجزاء الشفافة لم يكن في تركيب السواد والبياض إلا الأخذ في طريق واحد وإن وقع فيه اختلاف فبالشدة والضعف وثانيهما انعكاس الحمرة والخضرة ونحو ذلك من الألوان فإنه لو كان اختلاف الألوان لاختلاط الشفاف بغيره لوجب أن لا ينعكس من الأحمر والأخضر إلا البياض لأن السواد لا ينعكس بحكم التجربة ودلالة هذين الوجهين على أن سبب اختلاف الألوان لا يجب أن يكون هو التركب من السواد والبياض أظهر من دلالته على أن سبب البياض لا يجب أن يكون هو مخالطة الهواء للأجزاء الشفافة مع أن في الملازمتين نظرا لجواز أن يقع تركب السواد والبياض على أنحاء مختلفة وأن ينعكس السواد عند الاختلاط والامتزاج وإن لم ينعكس عند الانفراد وقد اقتصر بعضهم على نفي البياض وأثبت السواد تمسكا بأن البياض ينسلخ ويقبل محله الألوان بخلاف السواد ورد بعد ثبوت الأمرين بأنه يجوز أن يكون الحقيقي مفارقا والتخيلي لازما لزوال سبب الأول ولزوم سبب التخيلي لا يقال البياض يقبل محله جميع الألوان وكل ما يقبل الشيء فهو عار عنه ضرورة تنافي القبول والفعل لأنا نجيب بمنع الصغرى فإنه إنما يقبل ما سوى البياض الذي فيه فلا يلزم إلا عراؤه عنها وإن أريد بالقبول معنى الإمكان بحيث يجامع الفعل منعنا الكبرى وهو ظاهر وقد يقال لو كان القابل للشيء واجب العراء عنه لكان ممتنع الاتصاف به وهو باطل وليس بشيء لأن القضية مشروطة فلا يلزم إلا امتناع الاتصاف ما دام قابلا وهو حق قال وقيل القائلون يكون السواد والبياض كيفيتين حيقيتين منهم من زعم أنهما أصل الألوان والبواقي بالتركيب لما نشاهد من أن البياض والسواد وإن اختلطا وحدهما حصلت الغبرة وإن خالط السواد ضوأ كما في الغمامة التي تشرق عليها الشمس والدخان الذي يخالطه النار فإن كان السواد غالبا حصلت الحمرة وإن اشتدت الغلبة حصلت القتمة وإن غلب الضوء حصلت الصفرة ثم إن الصفرة إذا خالطها سواد مشرق حصلت الخضرة ثم إن الخضرة إذا انضم إليها سواد آخر حصلت الكراثية وإذا انضم إليها بياض حصلت الزنجارية ثم الكراثية إن خالطها سواد وقليل حمرة حصلت النبلية ثم النبلية إن خالطها حمرة حصلت الأرجوانية وعلى هذا القياس ومنهم من زعم أن الأصل هو السواد والبياض والحمرة والصفرة والخضرة والبواقي بالتركيب بحكم المشاهدة ولا يخفى أنهما إنما يفيدان التركيب المخصوص بقيد اللون المخصوص وأما أن ذلك اللون لا يحصل إلا من هذا التركيب ولا يكون حقيقة مفردة فلا قال المبحث الثالث الضوء غني عن التعريف كسائر المحسوسات وتعريفه بأنه كيفية هي كمال أول للشفاف من حيث هو شفاف أو بأنه كيفية لا يتوقف الإبصار بها على الإبصار بشيء آخر تعريف بالأخفى وكان المراد التنبيه على بعض الخواص والضوء إن كان من ذات المحل بأن لا يكون فائضا عليه من مقابلة جسم آخر مضى فذاتي كما للشمس ويسمى
(٢١٣)