شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٩٧
مكانه وإن انتقل عنه فإما إلى المكان الأول فيلزم الدور لتوقف انتقال كل إلى مكان الآخر على انتقال الآخر عن مكانه لامتناع الاجتماع وتوقف انتقاله عنه على انتقال الأول إليه لئلا يلزم خلوه وإما إلى مكان آخر فيلزم تصادم الأجسام بأسرها وتعاقب الحركات لا إلى نهاية فيؤول إلى الدور ضرورة تناهي الأجسام وبعض هذه الترديدات تجري في المكان الذي ينتقل عنه الجسم فإنه إما أن يبقى خاليا أو يصير مملوا بانتقال جسم آخر إليه أو يتخلخل ما حوله من الأجسام بطريق ثبوت الهيولي أو فرج الخلاء فتعين أن يكون إمكان الذي ينتقل إليه الجسم إما خلاء محضا وإما مملوا بجسم فيه فرج خلاء يقل ويتقارب الأجزاء فيحصل للجسم المنتقل إليه مكان وتكون حركة السمكة في البحر من هذا القبيل فلا يرد نقضا على ما ذكرنا من الدليل وأجيب بأن دليل إبطال الهيولي لا يتم لما سيأتي بل غاية الأمر القدح في مقدمات إثباتها وهو لا يفيد في معرض الاستدلال ولو سلم فإن أريد بتوقف انتقال كل من الجسمين إلى مكان الآخر على انتقال الآخر إلى مكانه امتناع كل منهما بدون الآخر كما في المتضايفين فلانم استحالته لجواز أن لا يكون بصفة التقدم بل المعية كما في عصامير الدولاب فإن انتقال كل منها إلى حيز السابق يتوقف على انتقال اللاحق إلى حيز لئلا يلزم الخلاء بل التفكك وانتقال اللاحق إلى حيزه يتوقف على انتقاله إلى حيز السابق لئلا يلزم اجتماع جسمين في حيز وهذا هو المعنى بدور المعية وإن أريد التوقف بمعنى احتياج كل إلى الآخر احتياج المسبوق إلى السابق حتى يكون دور تقدم فلانم لزومه وما ذكرتم لا يفيد ذلك وربما يمنع ابتناء التخلخل والتكاثف على تحقق الهيولي أو فرج الخلاء الثالث أنه لو لم يوجد الخلاء لكان كل سطح ملاقيا لسطح آخر لا إلى نهاية لأن معنى تحقق الخلاء كون الجسم بحيث لا يماسه جسم آخر واللازم باطل لما سيجيء من تناهي الأجسام وأجيب بمنع اللزوم بل تنتهي الأجسام إلى سطح لا يكون فوقه شيء والعدم الصرف ليس فراغا يمكن أن يشغله شاغل على ما هو المراد بالخلاء المتنازع فيه الرابع أنا نشاهد أمورا تدل على تحقق الخلاء قطعا منها أن القارورة إذا مصت جدا بحيث خرج ما فيها من الهواء ثم كبت على الماء تصاعد إليها الماء ولو لم تصر خالية بل كان فيها ملاء لما دخلها الماء كما قبل المص ومنها أن الزق إذا ألصق أحد جانبيه بالآخر بحيث لا يبقى بينهما هواء وشد رأسه وجميع مسامه بالقار بحيث لا يدخله الهواء من خارج فإذا رفعنا أحد جانبيه عن الآخر حصل فيه الخلاء ومنها أن لزق إذا بولغ في تمديده وتسديد مسامه ثم نفخ فيه بقدر الإمكان فإذا فرز فيه مسلة بل مسلات فإنها تدخله بسهولة ولو لم يكن فيه خلاء لما دخلته لامتناع التداخل ومنها أن ملاء الدن من الشراب إذا جعل في زق ثم جعلا في ذلك الدن فإنه يسعهما ولو لم يكن في الشراب فرج خلاء بقدر الزق لما أمكن ذلك وأجيب بأن شيئا مما ذكر لا يستلزم تحقق الخلاء لجواز أن يتخلخل قليل هواء يبقى في
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»