شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٠٧
إلى خلاف جهته والحق أن الاعتمادين الطبيعيين أعني الثقل والخفة متضادان لا يتصور اجتماعهما في شيء واحدا باعتبار واحد وأنه لا تضاد بين الاعتماد الطبيعي وغير الطبيعي كما في الحجر الذي يرفع إلى فوق فإن الرافع يحس مدافعة هابطة والدافع مدافعة صاعدة وأما غير الطبيعي من الاعتماد فقيل المختلفان منه متضادان كالاعتماد يمنة ويسرة لأنه مبدأ قريب للحركة فلو جاز الاعتماد إن معا لجاز الحركتان بالذات معا لاستلزام وجود المؤثر وجود الأثر ويلزم منه جواز كون الجسم في آن واحد في حيزين وإنما قيد بالذات لأنه لا يمتنع حركتان إلى جهتين إذا كانت إحديهما بالذات والأخرى بالعرض كراكب السفينة يتحرك إلى خلاف الجهة التي تتحرك إليها السفينة وهذا معنى ما قال الجبائي أن الحركتين إلى جهتين متضادتان فكذا الاعتمادات الموجبان لهما وحينئذ لا يرد ما قال الآمدي أن هذا تمثيل بلا جامع كيف والحركة أثر الاعتماد وتضاد الآثار لا يوجب اختلاف المؤثرات فضلا عن تضاده كالطبيعة توجب الحركة بشرط الخروج من الحيز الطبيعي والسكون بشرط الحصول فيه على أن الفرق قائم فإن اجتماع الحركتين إلى جهتين إنما امتنع لاستلزامه حصول الجسم في حالة واحدة في حيزين ولا كذلك الاعتمادان والجواب أنه إن أريد بالمبدأ القريب تمام العلة فلانم أن الاعتماد كذلك بل لا بد من انتفاء المانع وإن أريد الأعم فلانم أنه يوجب وجود الأثر على أنه لو تم هذا الدليل لزم تضاد الطبيعي وغير الطبيعي لجريانه فيه سلمنا لكنه معارض بأنهما لو كانا متضادين لما جاز اجتماعهما واللازم باطل لأن الحبل المتجاذب بقوتين متساويتين إلى جهتين متقابلتين يجد فيه كل من الجاذبين مدافعة إلى خلاف جهته وقد يقال لا بل هو كالساكن الذي يمتنع عن التحرك لا مدافعة فيه أصلا قال والمعتزلة يسمون الطبيعي من الاعتماد لازما كاعتماد الثقيل إلى السفل والخفيف إلى العلو وغير الطبيعي مجتلبا كاعتماد الثقيل إلى العلو والخفيف إلى السفل قسرا وكاعتمادهما إلى باقي الجهات ولهم اختلافات في باب الاعتماد منها ما قال الجبائي أن في الهواء اعتمادا صاعدا لازما لما يشاهد في الزق المنفوخ المقسور تحت الماء أنه إذا شق خرج الهواء صاعدا ويشق الماء بل لو زال القاسر صعد الهواء بالزق وما تعلق به من الثقيل لا يقال يجوز أن لا يكون ذلك لصعوده اللازم بل لضغط الماء إياه وإخراجه من حيزه بثقل وطأته لأنا نقول لو لم يكن في طبعه الصعود والطفو على الماء لما زاده ثقل وطأة الماء إلا استقرارا وثباتا كسائر الأثقال سيما إذا بقي الزق مسدودا وقال أبو هاشم ليس للهواء اعتماد لازم ولو كان في طبعه صعودا لانفصل عن أجزاء الخشبة التي في الماء وصعد دون الخشبة إذ لا سبب عند الجبائي لصعودها وطفوها سوى تخلخل أجزائها وتثبيت الهواء بها لا يقال يجوز أن يفيده التركيب حالة موجبة للتلازم وعدم الانفصال سيما وهو هواء لم يبق على كيفيته المقتضية للانفصال لانكسار سورتها بالامتزاج لأنا نقول
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»