شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢١١
عندهم من أن القول بالتشكيك لا يكون إلا عارضا لامتناع التفاوت في الماهية وذاتياتها لأن الأمر الذي به يتحقق التفاوت حيث يوجد في الأشد دون الأضعف إن لم يكن داخلا في الماهية لم يتحقق التفاوت فيها بل كانت في الكل على السواء وإن كان داخلا فيها لم يتحقق اشتراك الأضعف فيها لانتفاء بعض الأجزاء مثلا الخصوصية التي توجد في نور الشمس دون القمر إن كانت من ذاتيات الضوء لم يكن ما في القمر ضوأ وإلا لم يكن تفاوت النورين في نفس الماهية فإن قيل لو صح هذا الدليل لزم أن لا يكون العارض أيضا مقولا بالتشكيك قابلا للشدة والضعف لأن القدر الزائد إما داخل في مفهوم العارض وماهيته فلا اشتراك للأضعف فيه وإما غير داخل فلا تفاوت لأن ما هو مفهوم العارض فيهما على السواء مثلا الخصوصية التي توجد في بياض الثلج دون العاج إن كانت مأخوذة في مفهوم البياض لم يكن ما في العاج من معروضاته وإلا لكان مفهوم البياض فيهما على السواء أجيب بأنه داخل في ماهية المعروض الأشد وإن لم يدخل في ماهية العارض ولا في ماهية المعروض الأضعف ولا يلزم من عدم دخوله في مفهوم العارض تساويه في جميع المعروضات ولقائل أن يقول فيتوجه مثله على الدليل المذكور على امتناع تفاوت الماهية وذلك أنه كما جاز التفاوت في التعارض باعتبار أمر خارج عنه داخل في ماهية بعض المعروضات فلم لا يجوز في الماهية باعتبار أمر خارج عنها داخل في هوية بعض الأفراد مثلا يكون النور تمام ماهية الأنوار أو جنسا لها وتكون الخصوصية التي في نور الشمس أمرا خارجا عن حقيقة النور داخلا في هوية نور الشمس وعلى هذا القياس وتوجيه المنع أنا لانم أن القدر الزائد إذا كان خارجا عن الماهية كانت الماهية في الكل على السواء وإنما يلزم لو لم يكن ذلك زيادة من جنس الماهية وإذا تحققت فلا عبرة بكونه داخلا في ماهية المعروض حتى لو فرضنا الخصوصية التي في نور الشمس من عوارضه كان التفاوت بحاله وإنما العبرة بكونه من جنس العارض وزيادة فيه فإن الخصوصية التي في نور الشمس وبياض الثلج وحرارة النار ليست إلا زيادة نور وبياض وحرارة ولا يمتنع مثل ذلك في الماهية وذاتياتها والحاصل أن عدم دخول القدر الزائد الذي به التفاوت في المعنى المشترك الذي فيه التفاوت إن كان مانعا من التفاوت لزم عدم تفاوت شيء من المفهومات في أفراده سواء كان عارضا لها أو ذاتيا وهو معنى النقض وإن لم يكن مانعا لم يتم الدليل على امتناع تفاوت الماهية وذاتياتها ومن ههنا ذهب بعضهم إلى أن نفي التشكيك مطلقا تمسكا بالدليل المذكور وجوز بعضهم التشكيك والتفاوت في الماهية وذاتياتها نظرا إلى عدم دليل الامتناع بل ادعوا أن تفاوت الخط الأطول والأقصر تفاوت في الماهية الخطية وأنها في الأطول أكمل وفي الأقصر أنقص لأن الزيادة التي في الأطول من جنس الخط وإن لم يكن داخلا في ماهيته وإن ادعى التفرقة بين ما إذا كان ذلك القدر الخارج عن المعنى المشترك داخلا في ماهية الأشد وبين ما إذا كان داخلا في مجرد
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»