شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢١٠
الكيفيات المتضادة أو على الحرارة الغريزية أو على النفس النباتية أو نحو ذلك على ما يذكره الأطباء فمختص بالمركبات (قال النوع الثاني المبصرات) ذهبت الفلاسفة إلى أن المبصر أولا وبالذات هو الضوء واللون وإن كان الثاني مشروطا بالأول وقد يبصر بتوسطهما مالا يعد في الكيفيات المحسوسة من الكيفيات المختصة بالكميات من المقادير والأوضاع وغير ذلك كالاستقامة والانحناء والتحدب والتقعر وسائر الأشكال وكالطول والقصر والصغر والكبر والقرب والبعد والتفرق والاتصال والحركة والسكون والضحك والبكاء والحسن والقبح وغير ذلك وأما ما يتوهم من أبصار مثل الرطوبة واليبوسة والملاسة والخشونة فمبني على أنه يبصر ملزوماتها كالسيلان والتماسك الراجعين إلى الحركة والسكون وكاستواء الأجزاء في الوضع واختلافها فيه (قال المبحث الأول) حقايق الألوان بل جميع المحسوسات ظاهرة غنية عن البيان ولا خفاء في تضاد السواد والبياض لما بينهما من غاية الخلاف لكونهما طرفي الألوان وأما ما بينهما من الحمرة والصفرة وغير ذلك فعند المحققين أنواع متباينة يختص كل منها بآثار مختلفة وليست بمتضادة إن اشترط بين المتضادين غاية الخلاف وإلا فمتضادة قال والتحقيق الظاهر من كلام القوم أن أنواع اللون هي السواد والبياض والحمرة والصفرة وغير ذلك وأنواع الكيفيات الملموسة هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك إلا أن التحقيق هو أن أنواع اللون هي البياضات المخصوصة التي لا تتفاوت بأفرادها كبياض الثلج مثلا وكذا في السواد وغيره بل في كل ما يقال بالتشكيك حتى أن النوع من الملموسات ليس مطلق الحرارة بل الحرارة المخصوصة التي تكون في أفرادها على السوية كحرارة النار الصرفة مثلا والنوع من المبصرات ليس مطلق الضوء بل الضوء الخاص الذي لا يتفاوت فيه أفراده كضوء الشمس مثلا وإنما يقع الاشتباه من جهة أن الأنواع قد يكون لجملة جملة منها عارض خاص واسم خاص كالبياضات المشتركة في تفريق البصر وفي اسم البياض والسوادات المشتركة في قبض البصر وفي اسم السواد وكالحرارات والبرودات ونحو ذلك فيتوهم أن تلك الجملة نوع واحد بخلاف الأضواء فإنه لا ينفرد جملة جملة منها بعارض واسم فلا يتوهم ذلك فيه بل ربما يتوهم كون المجموع نوعا واحدا واللون والضوء قد وقعا في مرتبة واحدة من البصرات إلا أن اللون جنس الألوان بخلاف الضوء لما فيه من التفاوت والضوء يوهم نوعيته لتقارب أنواعه بخلاف اللون وإنما توهم ذلك في جملة جملة من أنواعه كالبياض مثلا لتقارب أنواع البياض وكالسواد لتقارب أنواع السواد وعلى هذا القياس فصار الضوء بمنزلة البياض مثلا في أنه ليس نوعا لما تحته ولا جنسا بل عارضا ومبنى ذلك على ما تقرر
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»