ما يتوهم لأنه لمفهوم واحد هو الكيفية المحسوسة المخصوصة وإن كانت الحرارات متخالفة بالحقيقة واختلاف المفهوم إنما هو في إطلاق الحار على مثل النار وعلى الأجرام السماوية التي تفيض منها الحرارة وعلى الدواء والغذاء اللذين يظهر منهما حرارة في بدن الحيوان وهل في كل من الكواكب والدواء والغذاء صفة مسماة بالحرارة كالكيفية المحسوسة في النار أم ذلك توسع وإطلاق للحار على ما منه الحرارة وإن لم يقم به معنى مسمى بالحرارة فيه تردد واختلفوا في الحرارة الغريزية التي بها قوام حياة الحيوان فاختار الإمام الرازي أنها هي النارية فإن النار إذا خالطت سائر العناصر أفادت حرارتها المركب طبخا واعتدالا وقواما لتوسطها بانكسار سورتها عند تفاعل العناصر بين الكثرة المقتضية إلى إبطال القوام والعلة القاصرة عن الطبخ الموجب للاعتدال فتلك الحرارة هي المسماة بالحرارة الغريزية وحكي عن أرسطو أنها من جنس الحرارة التي تفيض من الأجرام السماوية فإن المزاج المعتدل بوجه ما مناسب لجوهر السماء لأنه ينبعث عنه يعني أنه إذا امتزجت العناصر وانكسرت سورة كيفياتها حصل للمركب نوع وحدة وبساطة بها يناسب البساطة السماوية ففاض عليه مزاج معتدل به حفظ التركيب وحرارة غريزية بها قوام الحياة وقبول علاقة النفس وبعضهم على أنها مخالفة بالماهية للحرارة النارية والحرارة السماوية لاختصاصها بمقاومة الحرارة الغريزية ودفعها عن الاستيلاء على الرطوبات الغريزية وإبطال الاعتدال حتى أن السموم الحارة لا تدفعها إلا الحرارة الغريزية فإنها آلة للطبيعة تدفع ضرر الحار الوارد بتحريك الروح إلى دفعه وضرر البارد الوارد بالمضادة وأجاب الإمام بأن تلك المقاومة إنما هي من جهة أن الحرارة الغريزية تحاول التفريق والغريزية أفادت من النضج والطبخ ما يعسر عنده على الحرارة الغريزية تفريق تلك الأجزاء وبالجملة يجوز أن تكون هي الحرارة السماوية أو النارية ويستند آثاره المختصة بها إلى خصوصية حصولها في البدن المعتدل وصيرورتها جزأ من المزاج الخاص (قال وأورد) المذكور في كلام بعض المتقدمين أن الجسم إنما كان رطبا إذا كان بحيث يلتصق بما يلامسه وفهم منه أن الرطوبة كيفية تقتضي التصاق الجسم ورده ابن سينا بأن الالتصاق لو كان للرطوبة لكان الأشد رطوبة أشد التصاقا فيكون العسل أرطب من الماء بل المعتبر في الرطوبة سهولة قبول الشكل وتركه فهي كيفية بها يكون الجسم سهل التشكل وسهل الترك للشكل وأجاب الإمام بأن المعتبر فيها سهولة الالتصاق ويلزمها سهولة الانفصال فهي كيفية بها يستعد الجسم لسهولة الالتصاق بالغير وسهولة الانفصال عنه ولا نسلم أن العسل أسهل التصاقا من الماء بل أدوم وأكثر ملازمة ولا عبرة بذلك في الرطوبة كيف وظاهر أنه ليس أسهل انفصالا فيلزم أن لا يكون أسهل التصاقا وكان مراد الإمام تأويل كلامهم بما ذكر وإلا فاعتراض ابن
(٢٠٣)