شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٩٦
وسواء جعل متحققا موجودا أو موهوما فإن قيل فما معنى القول بإمكانه عند من يجعله نفيا محضا وعدما صرفا لا يتحقق أصلا قلنا معناه أنه يمكن أن يكون الجسمان بحيث لا يتماسان ولا يكون بينهما ما يماسهما احتج القائلون بإمكان الخلاء بوجوه الأول لو فرضنا صفحة ملساء فوق أخرى مثلها بحيث يتماس سطحاهما المستويان ولا يكون بينهما جسم أصلا ورفعنا إحداهما عن الأخرى دفعة ففي أول زمان الارتفاع يلزم خلو الوسط ضرورة أنه إنما يمتلئ بالهواء الواصل إليه من الخارج بعد المرور بالأطراف والمقدمات أعني إمكان الصفحة الملساء أي الجسم الذي له سطح مستو ليس فيه ارتفاع وانخفاض ولا انضمام أجزاء من غير اتصال واتحاد وكون التماس بين السطحين لا بين أجزاء لا تتجزأ من الجانبين وإمكان رفع العليا من السفلى دفعة بحيث لا يكون ارتفاع أحد الجانبين قبل ارتفاع الآخر ليلزم التفكك وعدم حصول الهواء في الوسط عند الارتفاع بخلق الله تعالى أو بالوصول إليه من المنافذ والمسام بين أجزاء لا تتجزأ مسلمة عندهم مبنية على أصولهم وأجيب بمنع إمكان ارتفاع العليا من السفلى حينئذ بل هو عندنا محال جاز أن يستلزم محالا ولو سلم إمكان الارتفاع في الجملة فإن أريد بكونه دفعة كونه في آن لا ينقسم أصلا فلانم إمكانه كيف والارتفاع حركة تقتضي زمانا وإن أريد كون حركة جميع الأجزاء معا لئلا يلزم التفكك فلانم استلزامه للخلاء فإنه حركة لها زمان يجوز أن يمر الهواء من الأطراف إلى الوسط في ذلك الزمان ففي الجملة الخصم بين منع اللزوم ومنع إمكان الملزوم ولا يتم المطلوب إلا بثبوتهما نعم لو جعل الملزوم هو اللاوصول أعني لا مماسة السطحين الحاصلة عند الارتفاع إلزاما لمن يقول بكون اللاوصول آنيا بتعين منع إمكان الملزوم الثاني لو لم يكن الخلاء بل لو لم يوجد لامتنع حركة الجسم من مكان إلى مكان لأنه إذا انتقل إلى مكان فالجسم الشاغل لذلك المكان إما أن ينعدم ويحدث جسم آخر يشغل المكان المنتقل عنه وهذا باطل باعترافكم بل بشهادة العقل في كثير من المواضع كحركة عصامير الدولاب كل إلى حيز آخر وإما أن لا ينعدم وحينئذ إما أن يستقر في مكانه أو ينتقل عنه فإن استقر فإما أن يبقى على مقداره فيلزم تداخل البعدين الماديين واجتماع الجسمين في حيز واحد وهذا باطل اتفاقا وضرورة وإما أن لا يبقى بل يتكاثف أي يصغر مقداره بحيث يحصل للجسم المتحرك حيز يسعه وذلك إما بكون الجسم ذا مادة يقبل المقادير المتفاوتة في الصغر والكبر وذلك قول بالهيولي ويستقيم الدلالة على بطلانها أو بكونه ذا أجزاء بينها فرج خلاء قد تقاربت تلك الأجزاء بحيث حصل خلاء يسع الجسم للتحرك فيلزم الخلف لتحقق الخلاء على تقدير عدمه هذا إن استقر الجسم الشاغل للمكان الثاني في
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»