شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
قد أحدث فيه قوة صاعدة لا تقاومها الطبيعة إلا بمعونة مصادمات من الملاء وأجيب بأنه مع ابتنائه على نفي الفاعل المختار إنما ينفي كون ما بين الأرض والسماء خلاء صرفا ولا ينفي وجود خلاء خارج عما بينهما أو مختلط بالأجزاء الهوائية الوجه الرابع أنه لو وجد الخلاء لزم انتفاء أمور نشاهدها ونحكم بوجودها قطعا كارتفاع اللحم في المحجمة عند المص فإنه لما انجذب الهواء بالمص تبعه اللحم لئلا يلزم الخلاء وكارتفاع الماء في الأنبوبة إذا غمس أحد طرفيها في الماء ومص الطرف الآخر وكبقاء الماء في الكوز الذي في أسفله ثقبة ضيقة من غير أن ينزل من الثقبة عند شد رأس الكوز لئلا يبقى حيز الماء خاليا ونزوله على ما هو مقتضى طبعه عند فتح الرأس لدخول الهواء وكانكسار القارورة التي جعلت في رأسها خشبة وشدت بحيث لا يدخل فيها ولا يخرج عنها هواء ثم أخرجت الخشبة فإن القارورة تنكسر إلى الداخل لئلا يبقى حيز الخشبة خاليا وإن أدخلت تنكسر القارورة إلى الخارج لما أن فيها ملاء لا يجامع الخشبة وأجيب بأنه يجوز أن يكون ذلك لأسباب أخر فإن غاية هذه الأمور لزومها لانتفاء الخلاء واللازم قد يكون أعم فلا يصح الاستدلال بوجوده على وجود الملزوم نعم ربما يفيد يقينا حدسيا للناظر لكن لا يقوم حجة على المناظر (قال الفصل الثالث في الكيف) لا طريق إلى تعريف الأجناس العالية سوى الرسوم الناقصة إذ لا يتصور لها جنس وهو ظاهر ولا فصل لأن التركب من الأمرين المتساويين ليكون كل منهما فصلا مجرد احتمال عقلي لا يعرف تحققه بل ربما تقام الدلالة على انتفائه ولم يظفر للكيف بخاصة لازمة شاملة سوى التركب من العرضية والمغايرة للكم وللأعراض النسبية إلا أن التعريف بها كان تعريفا للشيء بما يساويه في المعرفة والجهالة لأن الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض فعدلوا عن ذكر كل من الكم والأعراض النسبية إلى ذكر خاصته التي هي أجلى فقالوا هو عرض لا يقتضي لذاته قسمة ولا يتوقف تصوره على تصور غيره فخرج الجوهر والكم والأعراض النسبية ومن جعل النقطة والوحدة من الأعراض زاد قيد عدم اقتضاء اللاقسمة احترازا عنهما وقيدوا عدم اقتضاء القسمة واللاقسمة بالذات والأولية لئلا يخرج عن التعريف العلم بالمركب وبالبسيط حيث يقتضي القسمة واللاقسمة نظرا إلى المتعلق فإن قيل من الكيفيات ما يتوقف تعلقه على تعقل شيء آخر كالعلم والقدرة والاستقامة والانحناء ونحو ذلك قلنا ليس هذا بتوقف وإنما هو استلزام واستعقاب بمعنى أن تصوره يستلزم تصور متعلق له بخلاف النسبيات فإنها لا تتصور إلا بعد تصور المنسوب والمنسوب إليه وبالجملة فالمعنى بالكيفية ما ذكر فلو كان شيء مما بعد في الكيفيات على خلاف ذلك لم يكن كيفية والمشهور في تعريف الكيفية أنها هيئة قارة لا يوجب تصورها تصور شيء خارج عنها وعن حاملها ولا تقتضي قسمة ولا نسبة في أجزاء حاملها واحترز بالقيد الأخير عن الوضع وبالأول أعني القارة
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»