واحد هو التمكن ولأنه يستلزم ارتفاع الإمكان عن البديهيات ككون هذا البعد ذراعا واحدا مثلا لجواز أن يكون ذراعين أو أكثر تداخلا وككون المتمكن مساويا بمكانه في المقدار لجواز أن يكون بعد أحدهما أزيد من الآخر حصل من تداخلهما هذا المقدار المشاهد وكل ذلك منتف بالاتفاق الثالث أن البعد في نفسه إما أن يفتقر إلى المحل فيمتنع تجرده عن المادة على ما تدعونه في البعد الذي هو المكان وإما أن يستغنى عنه فلا يحل في المادة على ما هو شأن البعد القائم بالجسم لأن معنى حلول العرض في المحل اختصاصه به بحيث يفتقر إليه في التقوم فلا يرد ما قيل أنه يجوز أن لا يفتقر في نفسه إلى المحل ويعرض له الحلول فيه وأجيب عن الكل بأنه يجوز أن يكون البعد القائم بالجسم مخالفا بالماهية للبعد المفارق وإن اشتركا في ذاتي أو عرضي هو مطلق البعد فلا يمتنع اختصاصه بقبول الحركة واقتضاء المحل واختصاص البعد المفارق بإمكان النفوذ فيه ولا يكون اجتماعهما من اجتماع المثلين على أن ما ذكر من تعدد البعدين في المتمكن واجتماع المثلين ليس بمستقيم لأن أحدهما في المتمكن والآخر فيه المتمكن قال حجة البعد احتج القائلون بكون المكان هو البعد بأنه لو كان هو السطح لزم انتفاء أمور يحكم بديهة العقل بثبوتها منها مساواة المكان للمتمكن فإن الشمعة المدورة إذا جعلناها صفحة رقيقة كان السطح المحيط بها أضعاف المحيط بالمدورة وإذا جعلنا الصفحة مدورة كان السطح المحيط بها أقل من المحيط بالصفحة مع أن الجسم في الحالين واحد وكما إذا جعلنا في المكعب نقرة عميقة يزيد السطح المحيط به مع انتقاص الجسم ومنها كون كل جسم في مكان مع أن الجسم المحيط بالكل لا يحويه جسم ليكون سطحه الباطن مكانا له ومنها سكون الطير الواقف في الهواء عند هبوب الرياح فإنه يتبدل عليه السطوح المحيطة به مع أن تبدل الأمكنة إما نفس الحركة الأينية أو ملزوم لها ومنها حركة القمر الدائر لأن السطح المحيط به من فلكه واحد لا يتبدل وعدم تبدل المكان ملزوم السكون لأن تبدله لازم الحركة أو نفسها ومنها بقاء المكان الذي خرج منه زيد مع أنه قد ملأه الهواء فلم يبق ما كان فيه من السطح المحيط بزيد ومنها كون كل جزء من أجزاء الجسم في حيز مع أن الأجزاء الباطنة من الماء مثلا لا تكون في سطح من الهواء إلا بطريق التبعية والتجوز كما يقال الماء في الفلك ومنها عدم توقف الحكم بكون الجسم ههنا أو هنالك على أنه هل يحيط به جسم أو لا ومنها أنا نتصور جسما لا يماسه شيء بل يوجد وحده مع امتناع أن نتصور جسما لا يكون في حيز ومنها أنا نقطع بأن كلا من القطب الجنوبي والشمالي في حيز آخر وأن كل نقطة على سطح الفلك المحيط تتحرك بحركته من موضع إلى موضع وبالجملة فهذه وأمثالها أمارات تفيد قوة الظن بأن المكان هو البعد لا السطح وإن كان للمناقشة مجال في استحالة بعض اللوازم أو في لزومها على مالا يخفى قال المقام الثاني المتنازع هو الخلاء بمعنى فراغ لا يشغله شاغل سواء سمي بعدا أو لم يسم
(١٩٥)