شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٨٩
الابن لأمر آخر ولا بد من أن ينتهي إلى ما يلحقه القبلية والبعدية لذاته قطعا للتسلسل وهو المراد بالزمان فإنه الذي يكون جزء منه قبل وجزء منه بعد بحيث لا يصير قبله بعد ولا بعده قبل وسائر الأشياء تكون قبلا لمطابقته الجزء القبل وبعد المطابقة الجزء البعد حتى لو وجد الأب في الجزء البعد والابن في الجزء القبل لكان الأب بعد الابن وأجيب عن الوجهين بأن ما ذكرتم من الإمكانات القابلة للتفاوت ومن القبلية المتصف بها وجود الأب من الاعتبارات العقلية دون الموجودات العينية بدليل أنها يتصف بها الأعدام فإن من اليوم إلى رأس الشهر أقل من اليوم إلى رأس السنة وإن عدم الحادث قبل وجوده فزعمت الفلاسفة أن المقصود التنبيه على وجود الزمان لا الاستدلال لأنه ضروري يعترف به العامة ومن لا سبيل لهم إلى الاكتساب ولهذا يقسمونه إلى السنين والشهور والأيام والساعات ويجري إنكاره مجرى إنكار الأوليات وإنما الخفاء في حقيقته قال فزعموا القوم وإن ادعى بعضهم ظهورانية الزمان فقد اتفقوا على خفاء ماهيته فقال كثير من المتكلمين هو متجدد معلوم يقدر به متجدد غير معلوم كما يقال أتيك عند طلوع الشمس وربما يتعاكس بحسب علم المخاطب حتى لو علم وقت قعود عمرو فقال متى قام زيد يقال في جوابه حين قعد عمرو ولو علم وقت قيام زيد وقال متى قعد عمرو يقال في جوابه حين قام زيد ولذلك يختلف تقدير المتجددات باختلاف ما يعتقد المقدر لظهوره عند المخاطب كما تقول العامة للعامة اجلس يوما والقاري اجلس قدر ما تقرأ الفاتحة والكاتب قدر ما تكتب صفحة والتركي قدر ما يطبخ مرجل لحما ولا يخفى أن ليس في هذا التفسير إفادة تصور ماهية الزمان وأما الفلاسفة فذهب أرسطو وأشياعه إلى أنه مقدار حركة الفلك الأعظم واحتجوا على ذلك بأنه مقدار أي كم متصل أما الكمية فلقبوا له المساواة واللامساواة فإن زمان دورة من الفلك مساو لزمان دورة أخرى منه وأقل من زمان دورتين وأكثر من زمان نصف دورة وأما الاتصال فلأنه لو كان منفصلا لانتهى إلى مالا ينقسم أصلا كوحدات العدد لأن هذا حقيقة الانفصال فيكون تألفه من الآنات المتتالية ويلزم منه الجزء الذي لا يتجزأ لانطباقه على الحركة المنطبقة على المسافة ثم أنه مقدار لأمر غير قار الذات وهو الحركة وإلا لكان هو أيضا قار الذات أي مجتمع الأجزاء في الوجود فيكون الحادث في اليوم حادثا يوم الطوفان وهو محال ولا يجوز أن يكون مقدار الحركة مستقيمة لأنها لازمة الانقطاع لما سيجيء من تناهي الأبعاد ومن امتناع اتصال الحركات المستقيمة على مسافة متناهية والزمان لا ينقطع كما مر فتعين أن يكون مقدارا بحركة مستديرة ويلزم أن يكون أسرع الحركات ليكون مقدارها أقصر فيصلح لتقدير جميع الحركات فإن الأقل يقدر به الأكثر من غير عكس كتقدير الفرسخ بالذراع وتقدير المائة بالعشرة وأسرع الحركات الحركة اليومية المنسوبة إلى الفلك الأعظم
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»