وهو المعنى بالفراغ المتوهم الذي لو لم يشغله شاغل لكان فارغا وعند بعض الفلاسفة امتداد موجود قد يكون ذراعا وقد يكون أقل أو أكثر وقد يسع هذا الجسم وقد يسع ما هو أصغر منه أو أكبر وتوضيحه أنا إذا توهمنا حلوا لإناء عن الماء والهواء وغيرهما ففيما بين أطرافه امتداد قد يشغله الماء وقد يشغله الهواء فكذا عند الامتلاء ويسمونه البعد المفطور بمعنى أنه مشهور مفطور عليه البديهة فإن كل أحد يحكم بأن الماء فيما بين أطراف الإناء وقيل بمعنى أنه ينشف فيدخل فيه الجسم بما له من البعد ويعبر عنه أفلاطون تارة بالهيولي لتوارد الأجسام عليه توارد الصور على المادة وتارة بالصورة لكونه عبارة عن الأبعاد الممتدة في الجهات بمنزلة الصورة الاتصالية الجسمية التي بها يقبل الجسم الأبعاد ويتميز عن المجردات وعلى هذا لا يرد ما يقال أن امتناع كون حيز الجسم جزأ منه في غاية الظهور فكيف يذهب إليه العاقل ثم إن هذا البعد عند أفلاطون وأتباعه ممتنع الخلو عن شاغل وعند البعض ممكن الخلو عنه فأصحاب الخلاء هم المتكلمون وبعض الفلاسفة ففي هذا المبحث مقامان أحدهما في أن المكان هو السطح أو البعد وثانيهما في أن الخلاء ممكن أو ممتنع قال المقام الأول احتج القائلون بكون المكان هو السطح بأنه لا يعقل منه إلا البعد أو السطح والأول باطل لوجوه الأول أنه لو كان هو البعد فإما أن يكون متوهما مفروضا على ما هو رأي المتكلمين وهو باطل لأن المكان موجود ضرورة أواستدلالا بأنه يقبل التساوي والتفاوت حيث يقال مكان هذا مساو لمكان ذاك أو زائد عليه أو ناقص عنه نصف له أو ثلث أو ربع أو غير ذلك وبأنه يقبل الإشارة الحسية وانتقال الجسم منه وإليه حيث يقال انتقل الجسم من هذا المكان إلى ذاك والاتصاف بالصغر والكبر والطول والقصر والقرب والبعد والاتصال والانفصال إلى غير ذلك ولا شيء من العدم المحض والنفي الصرف كذلك وإما أن يكون متحققا موجودا على ما هو رأي أفلاطون ومن تبعه وهو أيضا باطل لأنه إن كان قابلا للحركة الأينية التي هي الانتقال من مكان إلى مكان لكان له مكان وينقل الكلام إليه ليلزم ترتب الأمكنة لا إلى نهاية وهو محال لما مر في إبطال التس ولأن جميع الأمكنة الغير المتناهية لكونها من جنس البعد على ما هو المفروض يكون قابلا للحركة مفتقرا إلى المكان فيلزم أن يكون ذلك المكان داخلا في جملة الأمكنة لكونه واحدا منها وأن يكون خارجا عنها لكونه طرفا لها وذلك محال وإن لم يكن ذلك البعد الذي هو المكان قابلا للحركة لزم أن لا يكون الجسم قابلا للحركة لأنه ملزوم للبعد المنافي لقبول الحركة وملزوم في الشيء مناف لذلك الشيء الثاني أن المكان لو كان هو البعد وهو موجود ضرورة أو استدلالا لزم من تمكن الجسم في المكان تداخل البعدين أي نفوذ البعد القائم به في البعد الذي هو مكانه لأن هذا معنى التمكن عندهم واللازم باطل للقطع بأنه ليس في الإناء المملوء من الماء إلا بعد واحد ولأنه يستلزم اجتماع المثلين أعني البعدين في محل
(١٩٤)