شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٩٠
فيكون الزمان مقدارا لها فإن قيل هذا تعريف للزمان وتفصيل لذاتياته فكيف يطلب بالحجة قلنا الشيء إذا لم يتصور بحقيقته بل بوجه مالم يمتنع إثبات أجزائها بالبرهان كجوهرية النفس وتركب الجسم من الهيولي والصورة وههنا لم يتصور من الزمان إلا أنه شيء باعتباره تتصف الأشياء بالقبلية والبعدية وليست المقدارية من ذاتيات هذا المفهوم بل من ذاتيات حقيقته واعترض على هذا الدليل بأنه مبني على أصول فاسدة مثل بطلان الجزء الذي لا يتجزأ ومثل امتناع اتصال الحركات ولزوم السكون بين كل حركتين مستقيمتين ومثل امتناع فناء الزمان ولزوم أن يكون عدمه بعد الوجود مقتضيا لزمان آخر وبعد ثبوت هذه الأصول بالدليل أو التزام الخصم إياها بأن يجعل هذا احتجاجا على باقي الفلاسفة فلا نسلم أن القابل للتفاوت يلزم أن يكون كما مقتضيا لموضوع وإنما يلزم أن لو كان ذلك بحسب الذات وهو ممنوع ودعوى الضرورة غير مسموعة قال ثم عورض أي الدليل المذكور بوجوه أحدها أن الزمان لو كان مقدارا للحركة لامتنع انتساب الأمور الثابتة إليه أما الملازمة فلأنه حينئذ يكون متغيرا غير قار لأن مقدار المتغير أولى بأن يكون متغيرا والمتغير لا ينطبق على الثابت لأن معنى الانطباق أن يكون جزأ من هذا مطابقا لجزء من ذلك على الترتيب في التقدم والتأخر وأما بطلان اللازم فلأنا كما نقطع بأن الحركة موجودة أمس واليوم وغدا كذلك نقطع بأن السكون بل السماء وغيرها من الموجودات الثابتة حتى الواجب وجميع المجردات موجودة أمس واليوم وغدا وإن جاز إنكار هذا جاز إنكار ذاك وبهذا الوجه أبطلوا قول أبي البركات أن الباقي لا يتصور بقاؤه إلا في زمان مستمر ومالا يكون في الزمان ويكون باقيا لا بد أن يكون لبقائه مقدار من الزمان فالزمان مقدار الوجود وذلك لأن المقدار في نفسه إن كان متغيرا استحال انطباقه على الثابت وإن كان ثابتا استحال انطباقه على المتغير وثانيها أن الحركة كما سيجيء تطلق على كون المتحرك متوسطا بين المبدأ والمنتهى وهو أمر ثابت مستمر الوجود وعلى الأمر الممتد في المسافة من المبدأ إلى المنتهى وهو وهمي محض لا تحقق له في الخارج لعدم تقرر أجزائه فالحركة التي جعل الزمان مقدارا لها إن أخذت بالمعنى الأول لزم كون الزمان قارا غير سيال وهو محال وإن أخذت بالمعنى الثاني لم يكن الزمان موجودا ضرورة امتناع قيام الموجود بالمعدوم وثالثها لو كان الزمان مقدار حركة الفلك لكان تصور وجوده بدونها تصور محال واللازم باطل لأنا قاطعون بوجود أمر سيال به القبلية والبعدية والمضي والاستقبال وإن لم يوجد حركة ولا فلك حتى لو تصورنا مدة كان الفلك معدوما فيها فوجد أو ساكنا فتحرك أو يعدم فيها الفلك أو حركته لم يكن ذلك بمنزلة تصورنا عدم حركة الفلك حال وجودها وإن أمكن إنكار هذا الأمر بدون الحركة أمكن إنكاره معها من غير فرق وبالجملة فارتفاع الزمان بارتفاع
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»