شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٩١
حركة الفلك ليس بديهيا كارتفاع مقدار الشيء بارتفاعه ولهذا لم يذهب أحد من العقلاء إلى بداهة أزلية الأفلاك وأبديتها وبهذا يظهر أن ليس الزمان نفس الفلك الأعظم أو حركته على ما هو رأي البعض وقد يجاب أما عن الأول فبأن النسبة إلى الزمان بالحصول فيه لا يكون إلا للمتغير حقيقة بأن يكون فيه تقدم وتأخر وماض ومستقبل وابتداء وانتهاء كالحركة والمتحرك أو تقديرا كالسكون فإن معنى كونه في ساعة أنه لو فرض بدله حركة لكانت في ساعة وذكر ابن سينا أن معنى قولنا الجسم في الزمان أنه في الحركة والحركة في الزمان وأما غير المتغير أعني ما يكون قار الذات فإنما ينسب إلى الزمان بالحصول معه لا بالحصول فيه إذ ليس له جزء يطابق المتقدم من الزمان وجزء يطابق المتأخر منه وهذا كما أن نسبة استمرار غير المتغير وثباته إلى استمرار غير المتغير كالسماء إلى الأرض تكون بالحصول معه من غير تصور الحصول فيه ولا خفاء في الفرق بين حصول الحركة مع الزمان وحصول السماء مع الزمان وحصول السماء مع الأرض وأنها معان متحصلة لا استنكار في أن يعبر عن كل منها بعبارة يرى أنها مناسبة لها على ما قالوا أن نسبة المتغير إلى المتغير هو الزمان ونسبة الثابت إلى المتغير هو الدهر ونسبة الثابت إلى الثابت هو السرمد ويعمهما الدوام المطلق والذي في الماضي أزل والذي في المستقبل هو الأبد قال الإمام وهذا تهويل خال عن التحصيل لأن ما يفهم من كان ويكون إذا كان موجودا في الأعيان فإما أن يكون متغيرا فلا ينطبق على الثابت أو ثابتا فلا ينطبق على المتغير وهذا التقسيم لا يندفع بالعبارة واعترض بأنه لا استحالة في الانطباق بين المتغير والثابت فإنا نقول عاش فلان ألف سنة فانطبق مدة بقائه على ألف دورة من الشمس والمتكلمون يقولون القديم موجود في أزمنة مقدرة لا نهاية لأولها والجواب أنه لا يصح حينئذ ما ذكر أن الزمان لما كان غير قار استحال أن يكون مقدار الهيئة قارة على أن انطباق مدة البقاء على ألف دورة إنما هو من انطباق المتغير على المتغير لأن المدة زمان والدورة حركة ثم لا يخفى أن ليس الزمان نفس النسبة بل المتغير الذي ينسب إليه المتغير وليس المراد مطلق النسبة بل نسبة المعية على ما صرح به البعض إلا أنه اقتصر من بيان هذه المعية على أنها ليست معية شيئين يقعان في زمان واحد ثم قال وغير الحركة إذ المتحرك إنما ينسب إلى الزمان بالحصول معه لا فيه وهذه المعية إن كانت بقياس ثابت إلى غير ثابت فهو الدهر وإن كانت بقياس ثابت إلى ثابت فهو السرمد وهذا الكون أعني كون الثابت مع غير الثابت والثابت مع الثابت بإزاء كون الزمانيات في الزمان فتلك المعية كأنها متى للأمور الثابتة ولا يتوهم في الدهر ولا في السرمد امتداد وإلا لكان مقدارا بالحركة ثم الزمان كمعلول للدهر والدهر كمعلول للسرمد فإنه لولا دوام نسبة علل الأجسام إلى مباديها ما وجدت الأجسام فضلا عن حركاتها ولولا دوام نسبة الزمان إلى مبدأ الزمان لم يتحقق الزمان وقال ابن سينا أن اعتبار أحوال المتغيرات مع المتغيرات هو الزمان واعتبار أحوال الأشياء الثابتة مع الأشياء المتغيرة هو
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»