شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٦٦
السلسلة العلة التامة فلانم استحالة كونها نفس السلسلة وإنما يستحيل لو لزم تقدمها وقد سبق أن العلة التامة للمركب لا يجب بل لا يجوز تقدمها إذ من جملتها الأجزاء التي هي نفس المعلول فإن قيل فيلزم أن يكون واجبا لكون وجودها من ذاتها وكفى بهذا استحالة قلنا ممنوع وإنما يلزم لو لم يفتقر إلى جزئها الذي ليس نفس ذاتها سواء سمى غيرها أو لم يسم وإن أريد العلة الفاعلية فلانم استحالة كونها بعض أجزاء السلسلة وإنما يستحيل لو لزم كونها علة لكل جزء من أجزاء المعلول حتى نفسه وعلله وهو ممنوع لجواز أن يكون بعض أجزاء المعلول المركب مستندا إلى غير فاعله كالخشب من السرير سلمنا ذلك لكن لانم أن الخارج من السلسلة يكون واجبا لجواز أن توجد سلاسل غير متناهية من علل ومعلولات غير متناهية وكل منها يستند إلى علة خارجة عنها داخلة في سلسلة أخرى من غير انتهاء إلى الواجب ولو سلم لزوم الانتهاء إلى الواجب فلا يلزم بطلان التسلسل لجواز أن يكون مجموع العلل والمعلولات الغير المتناهية موجودا ممكنا مستندا إلى الواجب وإجمالا بأنه منقوض بالجملة التي هي عبارة عن الواجب وجميع الممكنات الموجودة فإن علتها ليست نفسها ولا جزأ منها لما ذكر ولا خارجا عنها لاستلزامه مع تعدد الواجب معلولية الواجب واجتماع المؤثرين إن كان علة لكل جزء من أجزاء الجملة وأحد الأمرين إن كان علة لبعض الأجزاء ووجه الاندفاع أنا قد صرحنا بأن المراد بالعلة الفاعل المستقل بالإيجاد وأخذنا الجملة نفس جميع الممكنات بحيث يكون كل جزء منها معلولا لجزء فلم يكن الخارج عنها إلا واجبا وأقل ما لزم من استقلاله بالعلية إن يوجد في الجملة جزء لا يكون معلولا لجزء آخر بل للخارج خاصة وهو معنى الانقطاع ولم يمكن أن يكون المستقل بالعلية جزء من الجملة للزوم كونه علة لنفسه ولعلله تحقيقا بمعنى الاستقلال إذ لو كان الموجد لبعض الأجزاء شيئا آخر لتوقف حصول الجملة عليه أيضا فلم يكن أحدهما مستقلا وهذا بخلاف المجموع المركب من الواجب والممكنات فإنه جاز أن يستقل بإيجاده بعض أجزائه الذي هو موجود بذاته مستغن عن غيره وأما السرير ففاعله المستقل ليس هو النجار وحده بل مع فاعل الخشبات نعم يرد على المقدمة القائلة بأن العلة المستقلة للمركب من الأجزاء الممكنة علة لكل جزء منه اعتراض وهو أنه إما أن يراد أنها بنفسها علة مستقلة لكل جزء حتى يكون علة هذا الجزء هي بعينها علة ذلك الجزء وهذا باطل لأن المركب قد يكون بحيث يحدث أجزاؤه شيئا فشيئا كخشبات السرير وهيئته الاجتماعية فعند حدوث الجزء الأول إن لم توجد العلة المستقلة التي فرضناها علة لكل جزء لزم تقدم المعلول على علته وهو ظاهر وإن وجدت لزم تخلف المعلول أعني الجزء الآخر عن علته المستقلة بالإيجاد وقد مر بطلانه وإما أن يراد أنها علة لكل جزء من المركب إما بنفسها أو بجزء منها بحيث يكون كل جزء معلولا لها أو لجزء منها من غير افتقار إلى
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»