يجوز أن يكون الشيء علة لما هو علة له من غير لزوم تقدم الشيء على نفسه وسند المنع وجهان الأول أن المحتاج إلى المحتاج إلى الشيء لا يلزم أن يكون محتاجا إلى ذلك الشيء فإن العلة القريبة للشيء كافية في تحققه من غير احتياج إلى البعيدة والألزم تخلف الشيء عن علته القريبة والثاني أن يكون الشيء بماهيته علة لشيء هو علة لوجود ذلك الشيء قلنا اللزوم ضروري والسند مدفوع لأنه مالم يوجد العلة البعيدة للشيء لم توجد العلة القريبة وما لم توجد العلة القريبة لم يوجد ذلك الشيء فما لم توجد البعيدة لم يوجد ذلك الشيء وهو معنى الاحتياج والتخلف إنما يلزم لو وجدت القريبة بدون البعيدة من غير وجود المعلول ولأن كون ماهية الشيء علة لما هو علة لوجوده مع أنه ظاهر الاستحالة لما فيه من وجود المعلول قبل وجود العلة ليس مما نحن فيه أعني الدور المفسر بتوقف الشيء على ما يتوقف عليه قال وأما الثاني احتجوا على بطلان التسلسل بوجوه الأول أنه لو تسلسلت العلل والمعلولات من غير أن ينتهي إلى علة محضة لا يكون معلولا لشيء لكان هناك جملة هي نفس مجموع الممكنات الموجودة المعلول كل من آحادها لواحد منها وتلك الجملة موجودة ممكنة أما الوجود فلانحصار أجزائها في الموجود ومعلوم أن المركب لا يعدم إلا بعدم شيء من أجزائه وأما الإمكان فلافتقارها إلى جزأها الممكن ومعلوم أن المفتقر إلى الممكن لا يكون إلا ممكنا ففي جعلها نفس الموجودات الممكنة تنبيه على أنها مأخوذة بحيث لا يدخل فيها المعدوم أو الواجب لا يقال المركب من الأجزاء الموجودة قد يكون اعتباريا لا تحقق له في الخارج كالمركب من الحجر والإنسان ومن الأرض والسماء لأنا نقول المراد أنه ليس موجودا واحدا يقوم به وجود غير وجودات الأجزاء وإلا فقد صرحوا بأن المركب الموجود في الخارج قد لا يكون له حقيقة مغايرة لحقيقة الآحاد كالعشرة من الرجال وقد يكون إما مع صورة منوعة كالنبات من العناصر وإما بدونها بأن لا يزداد إلا هيئة اجتماعية كالسرير من الخشبات وإذا كانت الجملة موجودا ممكنا فموجدها بالاستقلال إما نفسها وهو ظاهر الاستحالة وإما جزء منها وهو أيضا محال لاستلزامه كون ذلك الجزء علة لنفسه ولعلله لأنه لا معنى لإيجاد الجملة إلا إيجاد الأجزاء التي هي عبارة عنها ولا معنى لاستقلال الموجد إلا استغناؤه عما سواه وأما أمر خارج عنها ولا محالة يكون موجدا لبعض الأجزاء وينقطع إليه سلسلة المعلولات لكون الموجد الخارج عن جميع الممكنات واجبا بالذات ولا يكون ذلك البعض معلولا لشيء من أجزاء الجملة لامتناع اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد إذ الكلام في المؤثر المستقل بالإيجاد فيلزم الخلف من وجهين لأن المفروض أن السلسلة غير منقطعة وأن كل جزء منها معلول لجزء آخر وبما ذكرنا من التقرير يندفع نقض الدليل تفصيلا بأنه إن أريد بالعلة التي لا بد منها لمجموع
(١٦٥)