شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٥٥
العلة بجميع جهات التأثير وجد المعلول لزمه بحكم عكس النقيض أنه كلما انتفى المعلول انتفت العلة إما بذاتها أو ببعض جهات تأثيرها وأكد الحكم بقوله ولو في غير القار لأنه قد يتوهم أن الإعراض الغير القارة كالحركة والزمان قد ينعدم أجزاؤها مع بقاء العلة بتمامها لكونها بحسب ذاتها على التجدد والانصرام بمعنى أن ذاتها تقتضي عدم كل جزء بعد الوجود وإن بقيت علته وستطلع على حقيقة الحال في بحث الحركة فإن قيل كل من العدمين نفي محض لا ثبوت له فكيف يكون أثرا أو مؤثرا قلنا بل عدم مضاف لا يمتنع كون أحدهما محتاجا والآخر محتاجا إليه وهذا معنى المعلولية والعلية ههنا لا التأثر والتأثير وإذا ثبت أن وجود الممكن يفتقر إلى وجود علته وعدمه إلى عدم علته ظهر أن الفاعل في طرفي الممكن أعني وجوده وعدمه واحد يجب بوجوده وجوده وبعدمه عدمه أما عدمه السابق فبعدمه السابق بمعنى أن عدم حدوث الحادث محتاج إلى عدم حدوث فاعله بجميع جهات التأثير وإما عدمه اللاحق فبعدمه اللاحق يعني أن زوال وجوده يحتاج إلى زوال وجود الفاعل بجميع جهات التأثير فإن قيل ما ذكرتم من انعدام المعلول عند انعدام العلة باطل لما نشاهد من بقاء الابن بعد الأب والبناء بعد البناء وسخونة الماء بعد النار قلنا ذاك في العلل المعدة وكلامنا في العلل المؤثرة فالأب بالنسبة إلى الابن ليس إلا معدا للمادة لقبول الصورة وإنما تأثيره في حركات وأفعال تقتضي إلى ذلك وتنعدم بانعدام قصده ومباشرته وعلى هذا قياس سائر الأمثلة فإن البناء إنما يؤثر في حركات تفضي إلى ضم أجزاء البناء بعضها إلى البعض ووجوده إنما هو أثر التماسك المعلول بيبس العنصر هذا على رأي الفلاسفة وإما على رأي القائلين باستناد الكل إلى الواجب بطريق الاختيار وتعلق الإرادة فالأمر بين قال والمؤثر يريد أن ما يفيد وجود الشيء قد يفيد بقاءه من غير افتقار إلى أمر آخر كالشمس تفيد ضوء المقابل وبقاءه وقد يفتقر البقاء إلى أمر آخر وهذا ما يقال إن علة الحدوث غير علة البقاء كمماسة النار يفيد الاشتعال ثم يفتقر بقاء الاشتعال إلى استدامة المماسة واستمرارها بتعاقب الأسباب (قال المبحث الثالث وحدة المعلول) يريد أن الواحد الشخصي لا يكون معلولا لعلتين تستقل كل منهما بإيجاده خلافا لبعض المعتزلة والواحد من جميع الوجوه لا يلزم أن يكون معلوله واحدا بل قد يكون كثيرا خلافا للفلاسفة حيث ذهبوا إلى أن الواحد المحض من غير تعدد شروط والآت واختلاف جهات واعتبارات لا يكون علة إلا لمعلول واحد أما الأول وهو امتناع اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد فلوجهين (1) أنه يلزم احتياجه إلى كل من العلتين المستقلتين لكونهما علة واستغناؤه عن كل منهما لكون الأخرى مستقلة بالعلية.
(2) إنه إن توقف على كل منهما لم يكن شيء منهما علة مستقلة بل جزء علة لأن معنى استقلال العلة إن لا يفتقر في التأثير إلى شيء آخر وإن توقف على أحدهما فقط كانت هي العلة دون الأخرى
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»