شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٦١
الأول يتوسطه معلول ثالث ويتوسط المعلول الأول والثاني والثالث معلول رابع وهكذا عن كل معلول يتوسط ما فوقه أو ما تحته وعن الواجب يتوسط ما تحته جملة أو فرادى فيكون هناك سلاسل غير محصورة ولبعض المحققين رسالة في تفصيل ذلك وأورد نبذا منه في شرحه للإشارات واعترض الإمام بأن الوجود والوجوب والإمكان اعتبارات عقلية لا تصلح علة للأعيان الخارجية ولما كان ظاهرا أنها ليست عللا مستقلة بل شروطا وحيثيات تختلف بها أحوال العلة الموجودة اعترض بأنه لو كفى مثل هذه الكثرة في أن يكون الواحد مصدرا للمعلولات الكثيرة فذات الواجب تعالى تصلح أن تجعل مبدأ للممكنات باعتبار ماله من كثرة السلوب والإضافات من غير أن يجعل بعض معلولاته واسطة في ذلك ويحكم بأن الصادر الأول عنه ليس إلا واحدا وأجيب بأن السلوب والإضافات لا تعقل إلا بعد ثبوت الغير فلو كان لها دخل في ثبوت الغير لكان دورا واعترض بأن تعقلها إنما يتوقف على تعقل الغير لا على ثبوته والمتوقف عليها ثبوت الغير لا تعقله فلا دور والجواب أن المراد أنه لا يصح الحكم بالسلوب والإضافات في نفس الأمر إلا بعد ثبوت الغير ضرورة اقتضاء السلب مسلوبا والإضافة منسوبا فلا يصح الحكم باستناد ثبوته إليها للزم الدور قال المبحث الرابع زعمت الفلاسفة أن الواحد من حيث هو واحد لا يكون قابلا للشيء وفاعلا له وبنوا على ذلك امتناع اتصاف الواجب بصفات حقيقية واحترز بقيد حيثية الوحدة عن مثل النار تفعل الحرارة بصورتها وتقبلها بمادتها وتمسكوا في ذلك بوجهين الأول أن القبول والفعل أثران فلا يصدران عن واحد لما مر ورد بعد تسليم كون القبول أثرا بأنا لا نسلم أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد على أنه لو صح ذلك لزم أن لا يكون الواحد قابلا لشيء وفاعلا لآخر فإن دفع باختلاف الجهة فإن الفاعلية لذاته وقابليته باعتبار تأثره عما يوجد المقبول قلنا فليكن حال القابلية والفاعلية للشيء الواحد أيضا كذلك فإن قيل الشيء لا يتأثر عن نفسه قلنا أول المسألة ولم لا يجوز باعتبارين كالمعالج لنفسه فإن قيل الكلام على تقدير اتحاد الجهة قلنا فيكون لغوا إذ لا اتحاد جهة أصلا الثاني أن نسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب ونسبة القابل إلى المقبول بالإمكان لأن الفاعل التام للشيء من حيث هو فاعل يستلزمه والقابل له لا يستلزمه بل يمكن حصوله فيه فيكون قبول الشيء للشيء وفاعليته له متنافيين لتنافي لازميهما أعني الوجوب والإمكان واعترض بأنه إنما هي إمكان عام لأن معنى قابلية الشيء للشيء أنه لا يمتنع حصوله فيه وهو لا ينافي الوجوب وقيل بل معناه أنه لا يمتنع حصوله فيه ولا عدم حصوله وهو معنى الإمكان الخاص ولو فرضناه الإمكان العام فليس معناه أحد نوعيه أعني الوجوب بل معناه مفهومه الأعم بحيث يحتمل الإمكان الخاص فينافي تعين الوجوب الذي لا يحتمله والجواب بعد تسليم ذلك أنه يجوز أن يكون الشيء واجبا للشيء
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»