بعينه القائم بمحل آخر إلا أنه بين لميته بأن تشخص العرض إنما هو بالمحل يعني أن محله مستقل بتشخصه فلو قام بمحلين لزم اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد هو تشخص ذلك العرض ونبه عليه بأن حصول العرض الواحد في محلين كحصول الجسم الواحد في مكانين فلو جاز ذلك لزم جواز هذا وهو ضروري البطلان وبأنه لو جاز قيام العرض الواحد بمحلين لما حصل الجزم بأن السواد القائم بهذا المحل غير السواد القائم بذلك لجواز أن يكون سوادا واحدا قائما بهما واللازم باطل بالضرورة وقد يكون منها مالا يحتاج إلى التنبيه أيضا كامتناع قيام العرض بنفسه فالقول به كما نقل عن أبي الهذيل أن الله تعالى مريد بإرادة عرضية حادثة لا في محل يكون مكابرة محضة بخلاف قيام العرض الواحد بمحلين ولهذا جوزه بعض القدماء من المتكلمين الفلاسفة زعما منهم أن القرب قائم بالمتقاربين والجوار بالمجاورين والأخوة بالأخوين إلى غير ذلك من الإضافات المتحدة في الجانبين بخلاف مثل الأبوة والبنوة فإن قيام الأبوة بالأب والبنوة بالابن ورد بأنا لا نسلم أن الواحد بالشخص قائم بالطرفين بل القائم بكل منهما فرد مغاير للقائم بالآخر غاية الأمر تماثلهما واتحادهما بالنوع ولا يلزم من اشتراك النوع اشتراك الشخص وهذا كالإضافات المتخالفة مثل الأبوة والبنوة فإن مغايرة القائم بهذا القائم بذاك في غاية الظهور وجوزه أبو هاشم من المعتزلة زعما منه أن التأليف عرض قائم بالجوهرين ويمتنع قيامه بأكثر من جوهرين حتى أنه إذا ألف بين أجزاء كثيرة كان بين كل جزءين تأليف مغاير للتأليف القائم بجزءين آخرين أما الأول فلأن عسر انفكاك أجزاء الجسم لا بد أن يكون لرابط وليس إلا التأليف لأنه لم يحصل عند اجتماعها وصيرورتها جسما أمر غيره فلا يكون عدميا بل ثبوتيا قائما بشيئين ضرورة ورد بالمنع لجواز أن يكون بسبب آخر كإرادة الفاعل المختار وأما الثاني فلأنه لو قام بأكثر من جزئين كالثلاثة مثلا لانعدم بانعدام أحد الأجزاء ضرورة انعدام الحال بانعدام المحل الذي هو جميع الأجزاء واللازم باطل ضرورة بقاء التأليف فيما بين الجزئين الباقيين ورد بأنا لا نسلم أن التأليف الباقي بين الجزئين هو بعينه التأليف القائم بالثلاثة لم لا يجوز أن ينعدم ذاك ويحدث هذا فإن قيل قيام العرض الواحد بالكثير مما قال به الفلاسفة كالوحدة بالعشرة الواحدة والتثليث بمجموع الأضلاع الثلاثة المحيط بسطح والحياة ببنية متجزئة إلى أعضاء والقيام بمجموع أجزاء زيد قلنا المتنازع هو أن يكون العرض القائم بمحل هو بعينه القائم بالمحل الآخر لا أن يكون العرض الواحد قائما بمجموع شيئين صارا بالاجتماع محلا واحدا له كما في هذه الصور والظاهر أن مراد أبي هاشم أيضا هذا المعنى إلا أنه لم يجوز القيام بما فوق الاثنين لما ذكر من لزوم انعدام التأليف عند إزالة أحد الأجزاء من الاجتماع
(١٧٧)