من حيث كونه فاعلا له غير واجب من حيث كونه قابلا له قال المبحث الخامس لا تأثير للقوى الجسمانية القائلون باستناد الممكنات إلى الله تعالى ابتداء لا يثبتون للقوى الجسمانية تأثيرا ولا يشترطون في ظهور الأفعال المترتبة عليها بخلق الله تعالى وضعا ولا يمنعون دوام تلك الأفعال كما في نعيم الجنة وعذاب الجحيم وأما الفلاسفة فيثبتون لها تأثيرا ويشترطون فيه الوضع قطعا منهم بأن النار لا تسخن كل شيء والشمس لا يضيء بها كل شيء بل ماله بالنسبة إليهما وضع مخصوص بل ويقطعون بأنه يلزم تناهيها بحسب العدة والمدة والشدة بأن يكون عدد نارها وحركاتها متناهيا وكذا زمانها في جانبي الازدياد والانتقاص بأن لا تزداد إلى غير نهاية ولا تنتقص إلى غير نهاية وذلك أن المتصف حقيقة بالتناهي واللا تناهي هو الكم المتصل أو المنفصل والقوة التي محلها جسم متناه إنما تتصف بهما باعتبار كمية المتعلق أعني الحركات والآثار الصادرة عنها أما كمية انفصالية وهي عدد الآثار وإما كمية اتصالية وهي زمان الآثار وهو مقدار ممكن فيه فرض التناهي واللا تناهي في جانب الازدياد وهو الاختلاف بحسب المدة وفي جانب الانتقاص وهو الاختلاف بحسب الشدة بيان ذلك أن الشيء الذي يتعلق به شيء ذو مقدار أو عدد كالقوى التي يصدر عنها عمل متصل في زمان أو أعمال متوالية لها عدد فيفرض النهاية واللانهاية فيه يكون بحسب مقدار ذلك العمل أو عدد تلك الأعمال والذي بحسب المقدار يكون إما مع قرض وحدة العمل واتصال زمانه أو مع فرض الاتصال في العمل نفسه لا من حيث يعتبر وحدته أو كثرته وبهذه الاعتبارات تصير القوى أصنافا ثلاثة الأول قوى يفرض صدور عمل واحد عنها في أزمنة مختلفة كرماة تقطع سهامهم مسافة محدودة في أزمنة مختلفة ولا محالة بكون التي زمانها أقل أشد قوة عن التي زمانها أكثر ويجب من ذلك أن يقع عمل غير المتناهية لا في زمان والثاني قوى يفرض صدور عمل ما فيها على الاتصال في أزمنة مختلفة كرماة تختلف أزمنة حركات سهامهم في الهواء ولا محالة بكون التي زمانها أكثر وأقوى من التي زمانها أقل ويجب من ذلك أن يقع عمل غير المتناهية في زمان غير متناه والثالث قوى يفرض صدور أعمال متوالية عنها مختلفة بالعدد كرماة يختلف عدد رميهم ولا محالة يكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنها عدد أقل ويجب من ذلك أن يكون لعمل غير المتناهية عدد غير متناه فالاختلاف الأول بالشدة والثاني بالمدة والثالث بالعدة ولما كان امتناع اللاتناهي بحسب الشدة وهو أن يقع الأثر في الزمان الذي هو في غاية القصر بل في الآن ظاهر الامتناع أن تقع الحركة إلا في زمان قابل للانقسام بحيث تكون القوة التي توقع الحركة في نصف ذلك الزمان أشد تأثيرا اقتصروا على بيان امتناع اللاتناهي بحسب العدة والمدة فقالوا لا شك أن التأثير القسري يختلف باختلاف القابل المقسور بمعنى أنه كلما كان أكبر كان تحريك القاسر له أضعف لكون معاوقته وممانعته
(١٦٢)